Site icon IMLebanon

لبنان والسعودية: بُنى تحتيّة وفوقيّة لعلاقات استراتيجية

 

بغضّ النظر عن المواقف السياسية اللبنانية من سياسة المملكة العربية السعودية وسياساتها العربية والإقليمية والدولية والمنقسمة بين مؤيدة ومعارضة، فإنّ الجميع يسجّلون للديبلوماسية السعودية انطلاقة جديدة على المستويين العربي والدولي عموماً وعلى المستوى اللبناني خصوصاً، وذلك منذ أن تبوّأ الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد وإطلاقه مشروع «رؤية المملكة 2030».

هذه الانطلاقة الديبلوماسية السعودية الجديدة التي تعكسها حركة القائم بأعمال سفارة المملكة في لبنان الوزير المفوّض وليد البخاري والمتمثلة بالنشاط الملحوظ الذي يقوم به في مختلف المجالات والاتجاهات، وهو نشاط سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي يشمل كلّ قطاعات الشعب اللبناني وكلّ المناطق اللبنانية، ما يشير الى انّ الديبلوماسية السعودية تقيم بنى تحتية وفوقية لعلاقات لبنانية ـ سعودية جديدة ذات مضمون استراتيجي، وليست مرحلية، تلاقي مستقبل السعودية مع مشروع «رؤية المملكة 2030».

ويقول ديبلوماسيون انّ الديبلوماسية السعودية نقلت فعلاً العلاقات اللبنانية-السعودية الى مرحلة جديدة تأخذ بإيجابيات العلاقات السابقة وتستبعد السلبيات او الاخطاء التي تخللت تلك العلاقات. والبعض يقول انّ الديبلوماسية السعودية أخرجت العلاقة اللبنانية ـ السعودية من محاولات البعض لاستغلالها شخصياً لتحقيق مصالح خاصة منها على حساب المصالح اللبنانية ـ السعودية العامة والمشتركة التي تفيد شعبي البلدين وتعزز أواصر الأخوة بينهما. ولذلك شيئاً فشيئاً، والى حين الوصول الى «المملكة 2030»، ستكون العلاقات السعودية ـ اللبنانية والسعودية ـ العربية ذات مفهوم وعمق يتخطيان ايّ مصالح خاصة الى ما في خير البلدين ومصلحتهما، وكذلك لما فيه خير العرب والمصالح العربية العامة، في اعتبار انّ كلّ علاقة ناجحة بين ايّ بلدين عربيين ينعكس إيجاباً على الواقع العربي وعلى العلاقات العربية ـ العربية. فالمملكة العربية السعودية كانت ولا تزال تشكل ركناً اساسياً في البنيان العربي، مثلما هي ركن اساسي في بنيان العالم الاسلامي، وعلى الصعيد الدولي بما تختزنه من طاقات وامكانات في مختلف المجالات، وهذا الواقع سيتجسّد وفق «رؤية المملكة 2030» التطويرية للدولة السعودية بكاملها، فما كان يصحّ قبل هذه الرؤية لم يعد يصحّ بعدها، لأنّ عملية التطوير تأخذ في الاعتبار النهضة العالمية الكبرى في كلّ المجالات، والمفهوم الجديد للعلاقات بين الدول على مستوى العالم كله.

وإذ يسأل البعض كيف ان الديبلوماسية السعودية التي كانت قائمة قبل تولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، لم تكن تهتمّ في لبنان بما يهتمّ به البخاري منذ مجيئه الى بيروت؟ يجيب ديبلوماسيون «انّ ما مضى قد مضى وكان له زمانه الذي يفرضه أو يمليه، امّا اليوم فإنّ الواقع بات مختلفاً، ونظرة اللبنانيين والسعوديين الى العلاقات بين البلدين باتت ترى انّ هذه العلاقات ينبغي ان تكون عابرة لكلّ التفاصيل والتناقضات الداخلية اللبنانية، وحتى التناقضات بين لبنان والمملكة ـ اذا كان هناك مثل هذه التناقضات ـ لأن المملكة التي رعت حلّ الازمة اللبنانية من خلال رعايتها اجتماعات النواب اللبنانيين في مدينة الطائف خريف 1989 التي انتجت «وثيقة الوفاق الوطني» المعروفة بـ»اتفاق الطائف»، تريد إقامة أفضل وأمتن وأنجح العلاقات مع لبنان، بل انّها تريد تأطير لبنان الجديد الذي انتجه «اتفاق الطائف» عام 1989 بالمملكة الجديدة التي سيكتمل بنيانها عام 2030 .

على ان الديبلوماسية السعودية تكتشف من خلال اللقاءات التي تعقدها مع هذه الجهة اللبنانية او تلك، كذلك من خلال المنتديات التي تقيمها سفارة المملكة في بيروت، من «فنجان قهوة» الى «جسور» الى الملتقيات الثقافية والسياسية التي تتناول قيادات وشخصيات لبنانية لها بصماتها في بناء العلاقات اللبنانية ـ السعودية، هذه الديبلوماسية تكتشف كم كانت العلاقة اللبنانية ـ السعودية في السابق مثلما هي اليوم في حاجة الى تطوير وتعميق عبر نقلها من مستوى العلاقة الرسمية بين دولتين الى مستوى العلاقة المباشرة بين الشعبين الشقيقين اللبناني والسعودي اللذين تربطهما أواصر القربى والأخوة العربية والاسلامية، بحيث انّ العلاقة الجديدة التي تصوغها الديبلوماسية السعودية يراد لها ان تشكل نموذجاً يُحتذى بين كلّ الدول العربية.

وعلى ما يبدو ان الديبلوماسية السعودية ماضية لبنانياً الى مزيد من النشاطات في مختلف المجالات وذلك تحت عنوان انّ المملكة هي لجميع اللبنانيين وليست لفريق او أفرقاء منهم فقط، وانّ وقوفها على مسافة واحدة من الجميع بمعزل عمّا يجري في الاقليم من احداث وتطورات تجعلها بعيدة عن بعض الافرقاء اللبنانيين، او على خصومة معهم، هو انّها تريد ان تكون لكلّ لبنان وان يكون كلّ لبنان لها، بالمعنى الذي يجسّد ما ستكون عليه علاقات المملكة العربية الدولية في ضوء «رؤية المملكة 2030» التي تأخذ في الاعتبار روح العصر والموجبات التي يفرضها التطور المتلاحق على مستوى العلاقات الدولية، وكذلك على مستوى بناء الدول والعلاقات في ما بينها.