لم يطلب أحد من أطفال درعا ونسائها التظاهر في درعا، ولم يطلب أحد من شباب لبنان النزول المليوني الى ساحة الشهداء في 14 آذار. الأرض رقصت على وقع أقدام النازلين الى الشوارع طرباً وفرحاً بهم. القهر والقمع والظلم وإلغاء القرار الوطني المستقل فتح أبواب المنازل المغلقة من الخوف. الجغرافيا والتاريخ وحّدا سوريا ولبنان. النظام الأسدي فرّق ما بينهما، وفي الوقت نفسه وحدهما في طلب الحرية.
«الربيع العربي»، بدأ من ساحة الشهداء في 14 آذار 2005. محمد بوعزيزي، رمى عود الثقاب المشتعل على الوقود المنتشر على كل النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المنطقة، فكان ما كان من دون تحضير ولا تأطير. لم تتم سرقة «الثورات العربية» في عملية مبرمجة. ما حصل أن الأنظمة العربية صحّرت الأرض العربية سياسياً. عبور الشباب العرب هذه «الصحراء» ثمنه مرتفع جداً وطويل الأجل. ظهور «داعش» و»النصرة» عمّقا الكارثة.
لم تربح ثورة 11 آذار في سوريا لكنها لم تفشل ولم تنتهِ. النظام الأسدي صمد فوق جماجم السوريين. 13 ألف سوري ماتوا في أقبية التعذيب. 220 ألف سوري قتلوا حتى الآن في الحرب. أكثر من خمسة ملايين سوري نزحوا وشرّدوا. دمر جيل كامل، ويستعد جيل ثان للدخول الى ساحات الدمار ودوائر النار.
«داعش» لم يولد من الفراغ، ولا بالرموت كونترول. «داعش» ولد من قلب تفشيل الثوار ورفض الإدارة الأوبامية اتخاذ القرار المناسب لإنقاذ الشعب السوري. (لماذا استطاع الخبراء تحديد استخدام «داعش» لغاز الكلور من دراسة الأفلام والصور فوراً، ولم يسمح للخبراء أنفسهم من تظهير الجريمة نفسها ضد الانسانية في سوريا؟).
«داعش» سيهزم في النهاية لأنه ضد التاريخ وضد الواقع وقاتل للتطور والتقدم. لكن أيضاً استمرار تجاهل إرادة الشعب السوري وتعميق مستنقعات الدماء، ستولد تنظيمات أخطر من «داعش».
هل هذا شيء من الشعر؟
قد يكون ذلك صحيحاً. عندما يعمل العالم من دون تفريق على اغتيال الشعب السوري بكل الوسائل، الشرذمة والمال والسلاح والقهر (نعم القهر في مخيمات النزوح) يصبح التطرف الأسود مشروعاً قائماً وإن بقي غير شرعي.
أما في لبنان، فإن 14 آذار لم تكتمل ولادته ولم يشب. ما زال الخوف من النظام الأسدي مزروعاً، هذا الخوف يشل كل التطلعات، يلزم اللبنانيين الكثير من الحزم والعزم للخروج من حالة التعب لدى الذين خرجوا في 14 آذار.
سؤال واقعي وليس خيالي؟
أمام حالة الفراغ القاتلة في لبنان، ماذا لو زحف الشباب اللبناني الى ساحتي رياض الصلح والشهداء، للمطالبة بإنهاء هذا الفراغ وانتخاب رئيس للجمهورية أولاً، وثانياً تحويل خطوة وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، ومن رافقهما وتبعهما، في إنقاذ صحة اللبنانيين على كل المستويات في هذه المهمة الى مسار يجعل من لبنان سويسرا الشرق قلباً وقالباً.
هل هذا الهدف ضخم. أبداً، لأن من نزل في 14 آذار وهو يكسر حاجز الخوف ويواجه الخطر، قادر اليوم على انجاز هذا الهدف الذي يكمل الوجه الآخر لما جرى في 14 آذار 2005.
الثورة في سوريا مستمرة. ليس هذا شعار، إنه واقع ومسار. 14 آذار في لبنان مستمر حتى ولو وقع إحباط وكسل وفشل. أليس حدثاً استثنائياً أن الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري تتوافق مع ما وقع للواء رستم غزالي ولو تعددت الروايات؟
إذا كان خير نظام الأسد «لأبنائه» ومنهم غزالي هكذا، فماذا يكون شره لخصومه وأعدائه.
الشعوب تبقى والزمن طويل أمامها. الأنظمة مهما طال عمرها قصير.