في جلسة حوار عين التينة اليوم سيكون حال تيّار المستقبل وممثليه في حوار عين التينة بات بعد واقعة الجمعة والأحد، كحال قول الشاعر: «ومن يصنع المعروف في غير أهله/ يلاقي ما لاقى مجير أم عامر»، والقصة معروفة ولا داعي لسردها، [وأم عامر كنية للضبع عند العرب]، أو كحال من قال فيه زهير بن أبي سلمى في معلّقته: «وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلهِ/ يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ»، أو كحال من قال فيه المتنبي: «إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ/ وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا»، وكلّ هذه الأوصاف من «أمّ عامر إلى اللئيم» تنطبق على أخلاقيات حزب الله في التعامل مع الدّاخل اللبناني، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: هل بعد أحداث الأسبوع الماضي من عمليّة شبعا وتعريض لبنان لحربٍ إسرائيلية طاحنة ليعلن نصرالله بعدها «امتزاج الدم الإيراني بالدم اللبناني»، ثم إرهاب اللبنانيين بجنون الرصاص «الحاقد» الذي يُنفّس عن «رغبات مكبوتة» في صدر جمهور حزب الله ضد المواطنين اللبنانيين، هل بعد كلّ هذا ما زال الحوار يُجدي نفعاً مع حزب الله أم أنّ حفظ ماء وجه المستقبل وممثّليْه تعليق هذا الحوار احتجاجاً على سلوكيات حزب الله؟!
أيّ حوارٍ مع حزب الله؟ سبق ودَعَم «الاعتدال السُنّي» جهود تيار المستقبل ـ ونحن طليعتهم وفي لحظة كان الرّفض هو الغالب على جمهور المستقبل ـ في قبوله الحوار مع حزب الله، على الرّغم من كلّ التحفّظات على مضمونٍ هشّ وممنوعٍ من تناول نقاط الخلاف، والحوار على نقاط الالتقاء، وابتلع «الاعتدال السُنّي» اللبناني غصّة مُرّة لوضعه في موضع الضعيف العاجز الذي لا يملك حيلة، وبالرّغم من هذا قَبِل التحاور من أجل تنفيس الاحتقان السُنّي ـ الشيعي، ولكن ما حدث بالأمس من إطلاق للرصاص خلال تشييع حزب الله مواطنيه الذين سقطوا في انفجار حافلة في سوريا يوم الأحد الماضي ـ مع أن الرصاص لا يُحيي الموتى ـ وقبله إطلاق الرصاص الحي والقذائف الصاروخيّة في قلب بيروت والضاحية على مدى ساعة ونصف يوم الجمعة ابتهاجاً بـ»إطلالة» نصرالله، ذهب بكثير من الذين أيدوا الحوار ولكن نظروا إليه نظرة «شكّ» و»عدم تصديق» لنوايا حزب الله الذي اعتاد على هذه المناورة كلّما حشر في الزاوية، ذهب بكثيرين إلى «قناعة» تامّة بأنّنا بتنا رهائن «إرهاب» حزب الله للداخل اللبناني، وبالله عليكم أليس الرصاص الذي أطلق يوم الجمعة الماضي أكثر إخافة وذعراً وكثافة من ذلك الذي أطلق في 7 أيار؟ بل أليس هذا الرصاص 7 أيار إنما بصيغة مختلفة؟!
حال لبنان اليوم مع حزب إيران في لبنان، أشبه بحال الإمام عليّ كرّم الله وجهه مع أهل الكوفة ودعائه عليهم:
وقوله في ذمّ أهل الكوفة: «قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نغب التّهمَام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان»، أو دعائه عليهم: «اللهمّ إنّي مَلَلْتُهم وملّوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني»، بل حالنا اليوم مع حزب الله أشبه بدعاء الإمام عليّ كرم الله وجهه [الشيخ المفيد، كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد،1/277]: «اللهمّ إنّي قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم، وتبرّمت الأمل. فأتِـح لي صاحبي حتى أستريح منهم ويستريحوا منّي، ولن يُفلحوا بعدي»…
«ما كُتب قد كُتب»، وأعجب ما رأينا خروج الأصوات التي تكلفّت عناء الردّ على خطاب حسن نصرالله وهم مدركون أن ردودهم لا تٌقدّم ولا تُؤخّر عند حزب الله وشعبه و»مقاومته» ولا عند إيران، ومخطّطها الشرّير للبنان والمنطقة، وأعجب من كلّ هؤلاء صرف الوقت وتضييعه مع من لا يجدي معه الحوار، ولا التصديق، ولا الكلام، ولا «حَلْبٌ ولا جَلْب»!!