شكلت القمة الأميركية العربية والإسلامية حدثاً يصعب مروره من دون آثـــار في المنطقــــة العربية. فكيف ستتعاطى الـــدولة اللبنانية مع نتائج المؤتمر؟ وهل ستكون على قدر التحديات التي ستفرضها التطـــورات المقبلة؟ أسئلة صعبة جداً في ظــــل الانقسام اللبناني الحالي والاصطفافات الطائفية، وارتهان قوى محلية فيه للخارج.
لعل الحملة «العالمية» ضد إيران ستفرض على هذه الدولة ردوداً، ستقرر القيادة الإيرانية مداها وحدودها. ستكون المواقع التي تحتل فيها إيران مواقع نفوذ أحد الميادين الرئيسية للمواجهة. وإذا كانت الحملة أشارت بالاسم إلى إيران وتنظيماتها، فإن لبنان يقع حكماً في الدائرة المباشرة للمواجهة الأميركية العربية، وبالتالي للردود الإيرانية. لا يخفى أن لبنان شكل، ولا يزال يشكل، بالنسبة إلى إيران موقعاً استراتيجياً مهماً، استثمرت فيه على مختلف الصعد مواقع نفوذ أساسية بدأت منذ إقامة الجمهورية الإسلامية في 1979. لسنوات خلت، خصوصاً في 2006، وفي ظل الضغوطات التي واجهتها إيران إقليمياً، لم تتورع عن استخدام الساحة اللبنانية في الرد على أعدائها بتفجير حرب مع إسرائيل وذلك بالتنسيق مع النظام السوري، في وقت كانت أميركا وإسرائيل تُعدان أيضاً لمثل هذه الحرب. جرى توظيف حزب الله آنذاك في إعلان الحرب التي دفع فيها لبنان ثمناً غالياً، نتيجة التلاعب الإيراني من جهة والأميركي – الإسرائيلي من جهة أخرى.
لن يقل الوضع الراهن خطورة إذا ما لجأت إيران إلى توظيف الساحة اللبنانية في الرد على الساعين إلى محاصرتها وإجبارها على عدم التدخل في الشؤون العربية، وهي إعلانات واضحة وليست تخمينات. هل تغامر إيران بلبنان في المرحلة المقبلة مستفـــيدة من الموقع الذي يحتله حزب الله، خصوصا بعد أن باتت ترسانته العسكرية مصدر قلق داخل إسرائيل نفسها؟ سؤال لا يجب استبعاد احتماله. في هذا المجال، سيكون مطروحاً، من جانب اللبنانيين جميعاً، على حزب الله طبيعة الجواب الذي سيرد به على حصار إيران ومقارعتها من جهة، وعلى الحملة التي تطاوله بعد أن جرت تسميته بالاسم في وصفه تنظيماً إرهابياً، وبعد أن بدأ تصنيف قياداته في خانة الإرهاب. يعاني الحزب في الأصل من حصار مالي تفرضه الولايات المتحدة منذ بضع سنوات، وهو حصار لم يكن من دون نتائج سلبية، ولو محدودة، حتى الآن.
إن طبيعة الحملة على الحزب وردوده عليها ستضعه في مواجهة مسؤولية كبرى أمام اللبنانيين، فهو بمقدوره جر البلد إلى الحرب، كما بمقدوره الأخذ باعتبار المصالح الوطنية اللبنانية وما يمكن البلد أن يتحمله نتيجةَ المواجهة. صحيح أن لغة الحرب، تهديداً ووعيداً، تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة مع إسرائيل. وهذه الحرب لا تحتاج إلى أكثر من حدث لتشتعل، وإذا ما حصلت، فستصيب إسرائيل بأضرار كبيرة بالتأكيد، لكنها ستصيب لبنان بأضرار أكبر مع التهديدات الإسرائيلية بتدمير البلد بأحجام أكبر مما حصل في 2006. وهو أمر يدركه اللبنانيون جميعاً ومعهم حزب الله. لا يمكن إغفال أن إسرائيل متربصة وتنتظر فرصة إشعال الحرب تحت حجة القضاء على حزب الله، وهي لا تخفي رغباتها العلنية في هذا المجال.
يبقى أن نرى كيف سيتصرف الحكم اللبناني مع هذه التطورات العاصفة المقبلة على المنطقة، وما مسؤوليته لمنع انزلاق لبنان في أتون المواجهة. صحيح أن لبنان دُعي إلى القمة وكان يتحضر رئيس الوزراء لإلقاء كلمة، لكن ذلك لم يحصل، كما جرى لكثير من زعماء الدول. المضحك أن وزير الخارجية جبران باسيل أعلن عن تفاجئه بصدور إعلان القمة من دون أخذ رأي الوفد اللبناني في الإعلان. وأكثر من ذلك استعاد باسيل خطاب القسم في الفقرة التي تبعد لبنان عن المحاور العربية، بدل أن يدق ناقوس الخطر للبحث في تجنيب إغراق لبنان في المواجهات القادمة، خصوصاً انه يدرك أن إيران لم تعد عنصراً خارجياً في لبنان، بل هي في قلب الداخل اللبناني بسياساته العربية والإقليمية. يحتاج الأمر إلى بعض الوقت لتظهر مفاصل تعاطي الحكم مع الوضع الجديد، على رغم التشاؤم الذي يلف اللبنانيين من انعدام أهلية أهل الحكم وافتقادهم المسؤولية في مواجهة القضايا المصيرية، هذا ما أثبتته التجربة سابقاً، وهو المتوقع حصوله في الأيام والأسابيع المقبلة.
لا يستخفنّ أحد بالمخاطر المقبلة عل لبنان والمنطقة، لا تفيد سياسة الهروب من مسؤولية التهيؤ لمواجهة المخاطر وانتظار الفرج من الخارج. في هذه المرحلة، ليس على اللبنانيين سوى اقتلاع شوكهم بأيديهم.