زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة وما يرافقها من كلام كثير وكبير عن خرائط تقسيم إلى فيدراليات وكونفدراليات وغيرها من التوصيفات لم تأتِ من فراغ، وليس الهدف الأساسي منها تفقد القوات الدولية المرابطة في الجنوب منذ ما بعد حرب تموز بل سبقها بيانات وقرارات للأمم المتحدة، تحذر من خطورة استمرار الوضع المأزوم في هذا البلد على وحدته وأمنه واستقراره المالي والاقتصادي والإجتماعي، وتدعو جميع القيادات اللبنانية إلى التنبه لما يحيق ببلدهم، ويبادروا إلى ملء الشغور في رئاسة الجمهورية قبل أن يتفلت الوضع من بين أيديهم، ويتحولوا إلى أدوات تستغلها القوى المستفيدة من بقاء هذا التفلت، لكي تؤمن لها موقعاً في لعبة الأمم الدائرة حالياً حول مصير منطقة الشرق الأوسط برمتها انفاذاً للمشروع الأميركي القديم – الجديد والمسمى الشرق الأوسط الجديد.
ومن موقع هذه المسؤولية الدولية التي ما زالت حريصة على وحدة هذا البلد ونأيه عما يحدث في منطقته التي مازالت تعيش فوق بركان ملتهب، جاءت زيارة المسؤول الأممي، بالاجتماع بالمسؤولين والمعنيين في هذا البلد ووضعهم جميعاً في صورة الأوضاع والتحولات التي تعيشها هذه المنطقة وحثهم في الوقت نفسه على أن يأخذوا حل مشاكلهم بأنفسهم ولتحييد بلدهم عما يرسم لهذه المنطقة من مخططات وأن لا يتركوا للقوى الخارجية المهمة الموكولة إليهم أساساً والتي تخلوا كلّهم أو بعضهم عنها، ويجعلوا من أنفسهم أداة في أيدي هذه القوى تتلاعب بهم وتقرر عنهم مصائرهم ومصير بلدهم.
ويتمنى المسؤول الأممي أن يلقى آذاناً صاغية من المسؤولين والقيادات اللبنانية وتفهماً واعياً للأخطار المحدقة ببلدهم في حال استمروا بالتلهي بالمناكفات والسعي وراء المكاسب والمصالح الشخصية، ويأخذوا بالنصائح الدولية للقيام بمبادرات سريعة للانقاذ بدءاً بسد الفراغ في رئاسة الجمهورية وإعادة الانتظام إلى مؤسساتهم الدستورية التي تتلاشى الواحدة تلو الأخرى أمام أعينهم فيما اهتماماتهم منصبة على أمور أخرى لا تمت بأية صلة لمصلحة الوطن ولا لمصلحة الدولة التي ما زالت حتى الآن تحظى برعاية الأمم المحدة من باب الحرص على بقاء لبنان كدولة نموذجية في هذا الشرق الذي يتعرّض لمتغيرات جيوسياسية، بدأ هذا العالم يتحدث عنها بصوت مرتفع، وللدلالة على انها دخلت في مرحلة التنفيذ بمعزل عن إرادة شعوبها التي تناضل للحصول على الديمقراطية والحرية وإدارة شؤونها بنفسها في عالم جديد غير مستقر.
ومما لا شك فيه أن معظم اللبنانيين يعرفون جدياً ما يحيق ببلدهم وبهم من أخطار في حال استمر مسؤولوهم وقياداتهم في لعبة الغميضة كما وصفها رئيس مجلس النواب نبيه برّي أو في لعبة النكايات والاصطفافات والمراهنات على الخارج، كما هو واقع الحال، لكنهم يعانون جميعاً من ضعف قدرتهم على مواجهة المسؤولين عنها ممن هم في السلطة ومن هم خارجها، وقد وصل بهم العجز إلى حدّ اليأس والتسليم بما هو مكتوب لهذا البلد أو ما اختاره القيّمون بملء إرادتهم أو بوحي من ارتباطاتهم الخارجية.
فهل يسمع هؤلاء القيِّمون لنصائح الأمين العام للأمم المحدة، ويتعظوا بما يدور ويحصل حولهم ويلتفتوا إلى مصلحة بلدهم وشعبهم قبل أي مصالح أخرى أم أنهم تحولوا إلى أسرى للخارج وإلى أدوات يستخدمها لتحقيق مصالحه وتحسين مواقعه في لعبة الأمم.