الزائر اللبناني إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي لا يحتاج إلى وقت طويل، حتى يشعر أن العلاقات اللبنانية – الخليجية، ليست على ما يرام، وأن اللهفة الخليجية على «الشقيق المُتعَب»، لم تعد على حماستها السابقة!
خروج لبنان عن الإجماع العربي، وابتعاده، بالتصويت، عن المجموعة العربية، وفي قضية تعني الدول الخليجية أساساً في دفاعها عن أمنها واستقرارها ضد التدخل الإيراني بشؤونها، ترك بصمات سوداء على صفحة العلاقات الأخوية مع بيروت، وأثار ردوداً عاتبة حيناً، وغاضبة أحياناً، من الأشقاء الخليجيين، الذين لم ينتظروا مثل هذا «الموقف المتخاذل» من شقيق «طالما سارعنا إلى الوقوف لجانبه في حروبه وأزماته وملماته!».
يمكّن القول إن العلاقات اللبنانية – الخليجية تمرّ حالياً بمرحلة جمود، تطال مختلف أوجه المساعدة والتعاون بما فيها بعض المشاريع الإنمائية، باستثناء مشروع تحويل مياه الليطاني إلى بيروت، ريثما ينجلي دخان الأزمة الديبلوماسية الراهنة، ويبادر لبنان إلى تصحيح ما وقع فيه وزير خارجيته، حتى تعود المياه الخليجية إلى مجاريها اللبنانية الطبيعية.
ولعل القرار السعودي الصادم بتجميد الهبة المليارية المخصصة لدعم تسليح الجيش اللبناني، يُجسّد هذا التوجّه الخليجي بتجميد المساعدات المخصصة للبنان، حتى تزول الغمامة الحالية التي تظلل الأجواء اللبنانية – الخليجية، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه!
* * *
اللبنانيون العاملون في دول مجلس التعاون، موضع إعجاب وتقدير من المجتمعات الخليجية، الرسمية والمدنية على السواء، نتيجة تميّزهم وتفانيهم في أعمالهم، والنجاحات التي يحققونها في المهمات القيادية التي توكل إليهم، في كبريات المؤسسات والشركات.
وثمة قلة قليلة مستثناة من هذه المعاملة الطيبة، وتتألف من أشخاص ورجال أعمال ثبت تعاملهم مع جهات سياسية وحزبية، خاصة «حزب الله»، حيث يودعون تحت المراقبة الأمنية لفترة، ثم يُطلب ممن يُدان بالعلاقة مع الحزب مغادرة البلاد خلال فترة وجيزة، في حال لم يرتكب أعمالاً مخلة بالأمن، أو ينتمي إلى خلية حزبية منظمة، وصدرت بحقه أحكام قضائية.
كانت الدول الخليجية تعتبر «حزب الله» حركة مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وتسارع إلى مدّ يد العون والدعم كلما تعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي غاشم، وحجم المساعدات الخليجية بعد عدواني عناقيد الغضب عام 1996، وحرب تموز 2006، يشهد على الحماس الخليجي لدعم عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ذلك الحماس الذي بلغ ذروته بعد حرب تموز، ووصلت خلاله المساعدات الخليجية إلى أرقام مليارية، خصصت معظمها لإعادة بناء الضاحية الجنوبية، وإعمار وترميم القرى الجنوبية التي دمرها الحقد الإسرائيلي.
الموقف الخليجي من الحزب بدأ يتغيّر مع اندلاع أحداث البحرين، وكشف دور الحزب في تحريك التظاهرات لوجستياً وإعلامياً، فضلاً عن الحملات الخطابية المباشرة التي تولاها الأمين العام للحزب وكبار معاونيه ضد الشرعية البحرينية، والسعودية وبقية دول مجلس التعاون التي سارعت إلى دعم السلطة الشرعية في البحرين.
تعتبر الأوساط الخليجية أن دخول الحزب على خط الأزمة في البحرين، ثم ذهابه للقتال في سوريا والعراق، وصولاً إلى إرسال خبراء عسكريين ومدربين إلى اليمن، هو تأكيد لمدى ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني المناوئ للمشروع العربي في المنطقة، وبالتالي كان لا بدّ من التعامل مع الحزب كفصيل يدور في الفلك الإيراني، ويلتزم تنفيذ المخططات الإيرانية في المنطقة العربية.
ويذهب أحد الإعلاميين الكويتيين المخضرمين إلى حدّ اعتبار أن مشاركة مقاتلي الحزب في القتال بسوريا أضفى على الثورة المسلحة طابع الصراع المذهبي المقيت، سواء عبر الشعارات الدينية التي رفعها لتأجيج حماسة المقاتلين، أو من خلال وصول عناصره إلى تدمر وحلب وشمال سوريا، حيث لا حدود مع القرى الشيعية اللبنانية، كما تذرع في معركة القصير، ولا ثمة مقامات دينية للطائفة الشيعية في تلك المناطق، لتبرير التدخل العسكري لحمايتها، كما حصل مع بداية دخول الحزب إلى سوريا.
ويختم صاحبنا بالقول: وفي كلتا الحالتين أدت مشاركة الحزب في القتال بسوريا إلى تأجيج أجواء الفتنة المذهبية، وإلى بروز منظمات التطرّف الديني الإرهابية.
* * *
الواقع أن معالجة الأزمة الراهنة مع الأشقاء الخليجيين تحتاج إلى تحرّك لبناني ناشط رسمي وشعبي، سياسي واقتصادي، سياحي وصناعي، اجتماعي واغترابي، للتأكيد على عمق الروابط الأخوية والمصالح المشتركة، وللعمل الجاد والسريع على تطويق التداعيات والمضاعفات التي تهدد مصالح لبنان واللبنانيين حاضراً ومستقبلاً.
أهل الخليج لن يتركوا لبنان، ولكن معالجة الغضب الخليجي تتطلب جهوداً لبنانية مضاعفة، بعيداً عن أساليب المزايدات الداخلية السخيفة.