أين يقف البلد اليوم؟
وعلى أيِّ خط؟
وما هو منسوب المخاطر؟
وهل بالإمكان الحدّ من الخسائر إذا كان مستحيلاً إحراز تقدُّم؟
الصورة ليست مشرقة على الإطلاق، بإمكان المرء أن يمارس سياسة النعامة فيضع رأسه في الرمال ويقول إنَّ لا شيء يشغل البال، لكن ليس هذا هو الواقع، فلبنان إقترب من أن يكون متروكاً سواء من الغرب أو من الشرق، وهذه كارثة في حدِّ ذاتها ما لم يتداعَ الكبار في البلد ويقولون بينهم وبين أنفسهم:
هذا بلدنا وبلد أبنائنا وأحفادنا، ويجب أن نحافظ عليه تماماً كما يحافظ الآخرون على بلدانهم.
هل هذا تمنٍّ سوريالي وغير واقعي إذا بلغ المرء هذه التمنيات؟
هل بالإمكان التفاؤل في معرض التشاؤم؟
هذا الشهر تدحرجت التطورات في شكلٍ دراماتيكي:
من إقفال فروع البنك الأهلي السعودي إلى إلغاء هبة المليارات للجيش وقوى الأمن الداخلي.
إلى تحذير ومنع رعايا دول مجلس التعاون الخليجي من التوجّه إلى لبنان، وربما الآتي أعظم، وهناك إجراءات إضافية قد تتعلَّق بالإقامات وشركات الطيران، فماذا سيفعل لبنان الرسمي؟
بعد أن بلغت النقطة التي فاض بها كوب الماء، والتي تمثّلت بتبني رئيس الحكومة موقف وزير خارجيته فيما عاد وأوضح أنَّه لم يكن مطلعاً على موقف باسيل في السعودية.
يحاوِل لبنان الرسمي، سواء من خارج التركيبة الرسمية أو من ضمن فاعليات البلد، القيام بشيء، لكن الخشية كل الخشية أن تكون التطورات قد سبقت المعالجات، فليست هي المرة الأولى التي يُسمَع فيها جرس الإنذار يدق من جهة دول مجلس التعاون الخليجي التي ضاقت ذرعاً ببعض الممارسات اللبنانية:
ماذا فعلت هذه الدول بحق لبنان لتلقى هذا الجزاء من المواقف؟
دول مجلس التعاون الخليجي شكَّلت البركة للبنان، ليس منذ اليوم بل منذ نصف قرن:
قرابة النصف مليون لبناني يعملون في المملكة العربية السعودية.
قرابة الثمانين ألف لبناني يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة، والعدد نفسه تقريباً يعمل في دولة الكويت، وإذا أضفنا العاملين في مملكة البحرين وفي عُمان، فإننا نكون أمام ما يقارب ال 700 ألف لبناني يعملون في الخليج، أي ما يوازي عدد اليد العاملة اللبنانية في لبنان.
هؤلاء، من دون مبالغة، يضخّون الحركة الإقتصادية في لبنان، ليس منذ اليوم بل منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، أي منذ نحو أكثر من نصف قرن. اللبنانيون ساهموا في بناء الخليج، وأموال الخليج ساهمت في بناء لبنان قبل الحرب وفي إعادة بناء لبنان بعد الحرب:
هبات، مساعدات، مكرمات، ودائع، قروض ميسرة، فما هو المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي أكثر؟
آن للبنانيين الذين يعون هذه الحقائق، إذ يومياً ستؤخذ تدابير تصاعدية بشكل يؤدي إلى التأثير السلبي الموجع على أوضاع اللبنانيين عموماً، إلا أنّها ستكون أقل ضرراً على المعنيين مباشرة في هذه المواجهة ضد دول مجلس التعاون الخليجي.