لا يحتاج لبنان إلى «صراع مرير» للاتفاق على قانون انتخابات لنتأكّد أنّنا قد لا ننعم بهذا الاستقرار الهشّ في السنين المقبلة أو حتى الأشهر المقبلة، ولا حتى إلى مقالة أحد «بلطجيّة» صحافة إيران ومقالة يُهدّد فيها اللبنانيّين المسيحيّين بالقتل لأنّ رأسه التّافه لا يتحمّل فكرة «مصالحة معراب» ويريد أن يبقى المسيحيّون مشرذمين متقاتلين، حتى لا تقوم لهم قائمة، نظرة واحدة على الانقسام الحادّ بين اللبنانيّين ما بين مبتهجٍ بفوز الرغبة الأردوغانيّة بتحويل النظام في تركيا إلى نظام رئاسي يُتيح له البقاء في السلطة خلال العقد المقبل، لا لشيء إلا نكاية بنظام بشّار الجزّار، أو مغتاظٍ غاضبٍ من نتائج الاستفتاء كُرهاً بالإسلام ـ وهنا علينا تسمية الأمور بأسمائها ـ تحت عنوان لا نريد محمّد الفاتح (السلطان العثماني الذي قضى على الإمبراطوريّة البيزنطيّة)!!
النّار «تعسُّ» مشتعلة تحت الرماد اللبناني الساخن ولم يشأ أحد أن يسمع حسيسها ولا أجيجها ولا هجيجها، لن نكذب على أنفسنا لن نخدعها، فاللبنانيّون السُنّة انقسموا فريقين ابتهاجاً بفوز الرغبة الرئاسيّة الأردوغانيّة الأول نكاية بنظام بشّار الجزّار، والثاني ابتهج بأردوغان لأنّ «مشروع الزعيم الموعود» التقاه في مناسبة مؤتمر ولم ينسَ نشر صورة أردوغان وهو يصافحه وكأنّها تأكيدٌ على الزّعامة الموهومة، أمّا شيعة حزب الله فقد أغضبتهم نتائج الاستفتاء التركي تضامناً مع رمز الممانعة الدموي بشّار الأسد! أمّا المعسكر اللبناني المسيحي فحدّث ولا حرج، إذ استدعى «العثمانيّة» من التاريخ وصبّ جام غضبه على السلطان العثماني محمّد الفاتح التي قضى على الإمبراطوريّة البيزنطيّة عدوّة الكاثوليكيّة الفاتيكانيّة التاريخي!!
سبق وشاهدنا هكذا انقسام ما بين ليل 14 ـ 15 تموز من العام 2016 ما بين مجزرة نيس الفرنسيّة ليلة الاحتفال بذكرى الرابع عشر من تموز الفرنسي وليل محاولة الانقلاب التركي في الخامس عشر من تموز 2016، يومها شهدت مواقع التواصل الإجتماعي حرباً مسيحيّة ـ إسلامية تواطأ الجميع تجاهها، ويومها أيضاً كتبنا محذّرين في هذا الهامش تحت عنوان (أوراق التوت اللبنانية) «للأسف الشديد اللبنانيون يتلهّون بأحداث العالم ويمعنون في قسمة أنفسهم إلى فرقٍ متفرقّة، تتكاذب وتتقارب، إلا أنّها لا تلبث أن تسفر عن وجه لبنانيّ مفزع لم يتغيّر، نحن دائماً على استعداد للعودة إلى لحظة نخرّب فيها بيوتنا وعيشنا المشترك بأيدينا، ومن أجل الآخرين!».
لم نشهد هذه «الغضبة» اللبنانيّة الاستفتائيّة عندما صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52% في مقابل 48% لمعسكر البقاء في استفتاء حاسم خرجت فيه المملكة المتحدة من اتحاد استمر على مدى 43 عاماً، بنسبة مشاركة في الاستفتاء بلغت 71.8 % وهي نسبة المشاركة الأعلى في بريطانيا منذ عام 1992، أمّا الاستفتاء التركي فلم يكن في نتائجة بعيداً عن الاستفتاء البريطاني، فنسبة المؤيدين للنظام الرئاسي المقترح بلغت 51.41 في المائة، أمّا نسبة المعارضين فبلغت 48.59 في المائة ووصلت نسبة التصويت الى 85 في المائة، وللمناسبة صوّتت أكبر مدن تركيا، اسطنبول وأنقرة وإزمير، ضد التعديلات الدستورية.
اللافت أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان خرج بعد نتائج الاستفتاء في زيارات رمزية زار فيها ضريح السلطان محمد الفاتح والصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، وهي أماكن دأب القادة الإسلاميون الأتراك على زيارتها في مفاصل تاريخية مهمة، اللبنانيّون المسيحيّون ما زالوا غاضبين من محمد الفاتح، هنا وللمناسبة وقبل السلطان الفاتح وسقوط القسطنطينية بما يقارب ألف عام (1480م) قام مسلمون ينتمون لدولة الأغالبة بغزو الأراضي البابوية في عام 846م، أثر وصولهم الى روما، لم يقم المسلمون بمحاصرتها أو بمحاولة فتحها حيث كانت أسلحتهم أسلحة خفيفة، ولكنهم هاجموا الأحياء المحيطة (من ضمنها حي الڤاتيكان)، والتي كانت تقع خارج الجدار الأورلياني آنذاك، وتعتبر غزوة الأغالبة لروما سنة 846م بمثابة عمل عسكري، يهدف إلى إظهار النفوذ العسكري المتزايد للأغالبة على حساب النفوذ العسكري للدولة البابوية في شبه الجزيرة الإيطالية، عانت الأَملاك البابوِية الأَمرين حين ازداد ضغط المسلمين على الشاطئ الغربي لإيطاليا بفعل غارات حدثت خلال عامي 868-872 م على مدينتي جايتا، وسالرنو، كما أنزل الأغالبة بروما جيشاً قوياً وحاصروها بقوة هذه المرة، وأوشكت أن تسقط، فأرسل البابا يوحنا الثامن إلى ملك الفرنجة الكارولنجيين، وإلى الإمبراطورية البيزنطية، وإلى مدن: أمالفي، وجايتا، ونابولي، يلتمس لنفسه، ولأَمْلاكه الحِماية، ولكنه لم يظفر بأي نجاح. وقد ترتب على تخلي هؤلاء جميعًا عن بابا روما إلى أن اضطر إلى دفع جزية للمسلمين، قدرها خمسة وعشرون ألف (25000) مكيال من الفضة.