منتصف هذا الليل، ستدقّ ساعة الحقيقة في لوزان، وتعرف نهاية الفيلم الأميركي الطويل جداً، هل ستكون سعيدة أم درامية؟ من المسار الطويل للمفاوضات، يبدو جلياً أنّ الفشل ممنوع، والنجاح الكامل صعب جداً، لكنه ليس مستحيلاً. لا يمكن للوفدَين الأميركي والإيراني العودة إلى واشنطن وطهران دون اتفاق يقي عاصمتيهما ارتدادات الفشل، خصوصاً أنّهما يتعرّضان لعواصف شديدة وقوية، مجهولة التردّدات والنتائج بعيداً على باب المندب من جهة، وداخل «بيتهما» من قوى متصلّبة وشرسة تنتظر بفارغ الصبر هذه الفرصة لتوجيه ضربة قاضية تحوّل آمالهما إلى واقع يوقف عجلة التغيير.
في هذه الأثناء، تتصاعد قوّة «عاصفة الحزم» في اليمن، حيث التطوّرات مفتوحة على حرب شاملة يمنية يمنية واقليمية بدعم دولي واضح. لم يعد من الممكن التراجع في هذه المواجهة. كلفة التراجع باهظة. ما تحقّق حتى الآن مهم جداً. شكّلت «عاصفة الحزم» تماساً كهربائياً أعاد الحركة إلى «قلب المريض العربي» بعد أن كاد الجميع يغرق في الإحباط إلى درجة اليأس من الشفاء. القمّة العربية في شرم الشيخ، كانت قبل العاصفة موعداً مع الروتين وحتى العدمية. فجأة تحوّلت إلى حدث. القرار السعودي الحاسم وعودة الروح إلى مصر، جعلا كل شيء ممكناً. من السهل جداً التباكي على مصير اليمنيين وهم «فقراء» الخليج، ومن الأسهل السقوط في «كربلائية» لا تنتهي حول هؤلاء «الفقراء» واستباحة طيران التحالف العربي لأرض اليمن، في وقت رموا فيه «عباءة» لا علاقة لها بالعروبة والإسلام على الجرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، إلى درجة أنّ الجواب على ضرورة إدانة سياسة القصف بالبراميل المتفجّرة يكون: من فضلك أرنا الضحايا أو هل عددتهم؟
القرار بإنشاء «القوّة العربية المشتركة»، وحده حدث تاريخي. ليس بالضرورة أن يرى العالم جنود هذه القوّة وهم يتدخّلون في اليمن أو ليبيا وحتى سوريا غداً. تشكيل هذه القوّة هو بداية لمرحلة جديدة. باختصار المشهد العربي كله يتغيّر رويداً رويداً، إلى أن يأتي اليوم الذي لا يعود قرار استباحة أي أرض عربية من الخارج، قراراً سهلاً ومن دون كلفة لأنّ حزباً أو طائفة قد تخندقت مع قوّة خارجية لن تكون في أي وقت قوّة في خدمتها وإنما قوّة يخدمها الآخرون.
«عاصفة الحزم» لن تتوقف قريباً، لذلك يبقى السؤال: ماذا ستكون مفاعيلها وتردّداتها على المنطقة؟ وبالتحديد ماذا ستفعل إيران بعد أن وضع العرب وتركيا وباكستان وبدعم دولي خطاً أحمر أمام إيران أساسه من حق كل دولة الطموح ولكن من واجبها أن تأخذ في حساباتها وجود القوى الأخرى.
الكلمة الفصل في كل ذلك هي البيان الختامي الذي سيصدر اليوم من لوزان. «النسيم» الذي سيهبّ من لوزان حتى ولو كان محدوداً لأنّه سيبقى معلقاً، قرار الاتفاق النهائي في أواخر حزيران، فإنّه سيبقى «منعشاً».
لبنان نجا حتى الآن من كل العواصف التي اقتربت من حدوده. حتى الفراغ نجح في التعامل معه بحيث لا يبتلعه. لا شك أنّ «شبكة النجاة» الاقليمية والدولية أمّنت له كل الضروريات للنجاة. السؤال الآن لبنان الواقع بين «نسيم» لوزان و»عاصفة الحزم» كيف سيكون مستقبله؟
عندما يجتمع «حزب الله» وتيّار «المستقبل» خلال الساعات الـ72 القادمة، تكون الصورة أوضح بكثير. كيف سيتعامل «حزب الله» تحديداً مع هذا «النسيم» وكيف سيتجاوب تيار «المستقبل» معه، سلباً أو إيجاباً، خصوصاً أنّ «عاصفة الحزم» قد قلبت العديد من المعادلات التي كانت قائمة. ولا يمكن تجاهل ما يتشكّل. الحوار يتعزّز، ويخفف من حدّة الاحتقان، لكن يجب ألا يبقى حواراً من أجل الحوار.
الخروج من لوزان باتفاق اطار، يعني أنّ أمام الطرفين الأميركي والإيراني مئة يوم أخرى من التفاوض للوصول إلى اتفاق نهائي. خلال المئة يوم هذه، سيتم استكمال «الرقص الناري» في المنطقة. الفرق أنّه لا يوجد أمام الأميركيين والإيرانيين مهلة أخرى ولا موعد آخر للتمديد. من المهم متابعة كيف ستتعامل إيران مع «عاصفة الحزم»، بعد هبوب «نسيم لوزان»؟ هل ستنفتح على الآخرين فتوقف «محدلة الامبراطورية» أم أنّها تتابع ما بدأته فينمو الرد العربي على وقع هذا التصعيد؟