التسويات المنتظرة في كلّ من سوريا واليمن، والمسارات الدبلوماسية التي تم التوصل إليها تحت مظّلة الأمم المتّحدة، بعد أعوام من الإستخفاف الدولي بالخسائر البشرية والإقتصادية في كلّ من البلدين ومن اللامبالاة أمام تصاعد الإرهاب في الإقليم، تبدو كأنها ستدخل مسار التأجيل والمماطلة. الشروط التعجيزية التي يطرحها النظام في سوريا والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح تُظهر مناورتين متلازمتين لشراء الوقت، والالتفاف على القرارين الدوليين 2254 و2216.
العام 2016 عام تجديد القيادة في إيران التي ستنتخب مجلس الشورى (البرلمان) ومجلس خبراء القيادة (الذي يختار المرشد الأعلى) في السادس والعشرين من شباط المقبل. الخطاب الإيراني المرتفع والتجييش المذهبي والتمسّك بمباديء الثورة وبحق إيران في الريادة الإقليمية، ستشكّل عناوين المرحلة المقبلة مع ما يستتبع ذلك من تصعيد لحلفاء إيران في كلّ من سوريا ولبنان والعراق واليمن، ومن تداعيات على المسارات السياسية. العام 2016 هو كذلك العام الأخير في ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سيغادر البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني 2017، منهياً ولايتين من المراقبة الدائمة عن بعد، ومن البراغماتية السلبية والتماهي إلى أقصى الحدود مع دورة العنف التي تشهدها المنطقة العربية.
العام 2016 هو عام الوقت الضائع بامتياز. خارطة الطريق للعملية السياسية في سوريا وفقاً لوثيقة أميركية، تضمّنت برنامجاً زمنياً للخطوات خلال الشهور الـ١٩ المقبلة، بحيث يتم بعد إطلاق المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، تشكيل لجنة أمنية وإطلاق سراح المعتقلين وتشكيل هيئة حكم انتقالية في نيسان/أبريل المقبل من دون تحديد صلاحياتها، على أن يتمّ في أيار/مايو حل البرلمان لدى انتهاء ولايته وتسمية مجلس تشريعي مؤقت، بالتزامن مع اعتراف مجلس الأمن الدولي بشرعية الهيئة الإنتقالية وعقد مؤتمر للإعمار والمصالحة. وخلال الأشهر الستة الأخيرة من ولاية الرئيس، يجري الإعداد والإستفتاء على دستور جديد. وبعد شهرين من ولاية الرئيس الأميركي الجديد في آذار/مارس يقوم الأسد بالتخلي عن صلاحياته إلى هيئة الحكم الإنتقالية التي تمارس سلطات كاملة إلى حين إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية في آب/أغسطس ٢٠١٧، لتشكّل بعدها حكومة جديدة. المسار السياسي المفترض لحل الأزمة السورية هو أطول عمراً مما تبقّى للرئيس الاميركي في موقع اللاقرار. فكيف ستتعامل روسيا والنظام في سوريا مع ما تبقى من ولاية أوباما؟
الجهد الرئيس سيتركز على مسارين إثنين، الأول يسعى إلى تحقيق ما أمكن من إنجازات ميدانية كما يحصل في ريف دمشق ودرعا، إلى جانب تنفيذ عمليات إخلاء جرحى أو تغيير ديموغرافي على غرار ما حصل بين الزبداني من جهة وقريتي كفريا والفوعا من جهه أخرى، أو عمليات إدخال مواد إغاثية إلى قرى وبلدات محاصرة كما يحصل في بلدة مضايا ودائماً من خلال الأمم المتحدة ودون إشراك أي فصيل من المعارضة، لاكتساب ما أمكن من الشرعية وتعزيز دور النظام لدى المجتمع الدولي. والمسار الثاني سيتركز على وضع العراقيل أمام المسار السياسي ويتجلى حالياً بما أبلغه الوزير وليد المعلم إلى الموفد الدولي ستيفان دي مستورا حول إصرار الحكومة السورية على الإطلاع على أسماء وفد المعارضة قبل تسليم قائمة بوفدها- مع رفض وجود ممثّلين للفصائل المقاتلة، واعتبارها كافة الفصائل المسلّحة التي تقاتل النظام «إرهابية»- إضافة إلى إلزامية إقرار جدول الأعمال قبل الذهاب إلى جنيف، والتشديد على أهمية احترام قرارات مجلس الأمن وخصوصاً المعنية بمكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أنّ الحل السياسي وقرارات مجلس الأمن بهذا الصدد مرتبطة بصدقية جهود مكافحة الإرهاب التي تستدعي إلزام الدول الداعمة للإرهاب بالتوقف عن ذلك.
على مسارٍ آخر، تحاول روسيا فرض تشكيل الوفد السوري المعارض إلى المفاوضات من خلال رفض بعض الفصائل وإضافة أسماء لتشتيت تمثيل الهيئة التفاوضية العليا المنثبقة من مؤتمر الرياض مما يثير ارتياباً في نيويورك من أنّ مسألة تمثيل المعارضة في المفاوضات ستكون مشكلة قد تؤخر عقد المفاوضات عن موعدها المقرر برغم تأكيد دي ميستورا أنّه لم يتلقَّ أيّة إشارات من أيٍّ كان بالرغبة في إرجاء المفاوضات إلى موعد آخر.
على المسار اليمني، يبدو عدم تقيّد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بوقف إطلاق النار، وإصرار الأخير على التفاوض مع المملكة العربية السعودية بدلاً من الحكومة الشرعية في اليمن، محاولة للإلتفاف على القرار الدولي وإعادة مسار المفاوضات إلى المربع الأول.
لبنان المستقيل دائماً من أي استحقاق وطني والذي يدّعي سياسيوه أنّه ينعم بالإستقرار، أضحى شبه وطن لشبه مجتمع يفتقر إلى أبسط مستويات التفاعل الإجتماعي والسياسي، ولا يمتلك أدنى المقومات لتحديد المصلحة الوطنية، لبنان الذي تتحلل مؤسساته الدستورية شيئاً فشيئاً والذي لا يمتلك أية مناعة تجاه المؤثرات الإقليمية كيف سيواكب هذا الوقت الضائع؟ بالأمس فشلنا في إجراء الإنتخابات النيابية وفشلنا في تطبيق الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية ونفشل يومياً في تحقيق المقوّمات الحياتية للمواطنين وسنفشل غداً طبعاً في اإجراء الإنتخابات البلدية، فبأي عذر نجريها وقد اختلقنا الأعذار والأسباب الفائقة الدقة لعدم اجراء الإنتخابات النيابية، حتى أننا جعلنا من معالجة نفاياتنا ومكافحة فسادنا المستشري ملفاً إقليمياً نتناوله همساً وكأنّه قضية إقليمية ترتبط بالأمن القومي العربي.
إنّ ربط استحقاقاتنا بالتسويات الإقليمية هو استزلام رخيص وادّعاء لأدوار وأحجام لا نملك مقوّماتها، وامتهان لكرامتنا الوطنية، فهل يُدرك السياسيون إنّ كثراً من اللبنانيين على قدر معقول من الذكاء وأنّ مصداقيتهم أصبحت في أسفل الدرك…….
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات