روسيا السورية صارت جارة لبنان الجديدة. هو المحسوب على الغرب سياسيا واقتصاديا وثقافيا يواجه تحدي السعي لضمه الى محور الممانعة بقيادة ايران. وهي القطب الموازي للغرب حافظت على نظرة خاصة الى لبنان أيام موسكو القيصرية والسوفياتية والبوتينية. ومن الطبيعي ان يسعى لبنان لتطوير علاقاته التاريخية مع موسكو، وان يراهن من ضمن القراءة في التحولات الجارية في المنطقة على الجار الروسي للمساعدة في الحفاظ على التوازن الداخلي والتحييد عن صراعات المحاور الاقليمية وتسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم. فنحن، كما قال الرئيس سعد الحريري في موسكو، ننظر الى روسيا والى دورها في المنطقة وهو دور كبير جدا. والكل ينتظر ان تترجم روسيا دورها العسكري في حرب سوريا الى تسوية سياسية شاملة.
وليس أكبر من الدور الذي تطلبه روسيا لنفسها بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين سوى الدور الذي تطلبه لها ومنها دول كثيرة. فالشرق الأوسط ملعب مفتوح أمام اللاعب الروسي: من تركيا الأطلسية وايران الاسلامية واسرائيل الأميركية الى كل البلدان العربية على اختلاف أنظمتها. وهو أمر لم يكن متاحا لروسيا القيصرية ولا للاتحاد السوفياتي. حتى اليسار الذي كانت تربطه بالاتحاد السوفياتي جاذبية الايديولوجية الماركسية والعداء لأميركا، فانه بقي متحمّسا لروسيا التي انتقلت من الاشتراكية الى رأسمالية الشلة، لمجرد العداء لأميركا.
صحيح ان روسيا انتفضت على غطرسة أميركا والغرب ومحاولة اذلالها ومدّ الحلف الأطلسي الى حدودها. واستغلت كون أميركا تعبت وأتعبت العالم من دورها كقوة عظمى مهيمنة، فاندفع بوتين في مغامرات عسكرية جريئة في جورجيا وأوكرانيا. لكن الصحيح أيضا ان من الصعب على موسكو ان تلعب كل الأدوار المطلوبة لها ومنها على كل المسارح المفتوحة أمامها.
إذ لا اقتصادها، حيث الدخل القومي الروسي يوازي أربعين في المئة من الدخل القومي الألماني، يستطيع حمل الأعباء التي لم تعد قادرة على حملها أميركا القوة الاقتصادية الأولى في العالم. ولا ما تريد تحقيقه في النهاية سوى الشراكة مع أميركا على قدم المساواة في ادارة النظام العالمي والنظام الاقليمي.
فضلا عن ان المطالب منها متناقضة. فمن يطالبها بالحدّ من نفوذ ايران في سوريا يقابله من يراهن على تقوية ذلك النفوذ وحماية محور الممانعة. وما يراد لها ان تلعبه في الخليج وكوريا الشمالية ومع أوروبا والصين يختلف عن حساباتها المعقدة في تلك الملاعب. ولا أحد يعرف الى أي حدّ تستطيع روسيا استمرار النجاح في شرق أوسط يموج بالتحولات والمتغيرات، وهي تلعب دور قوة ستاتيكو.