يذهب لبنان إلى القمّة العربية في عمّان، ويحدوه الأمل في أن يلقى من الشقيق العربي ولو حدّاً أدنى من التضامن معه.
رئيس الجمهورية ميشال عون بصَدد موقف «غير تقليدي» في القمّة. يريد إسماع العرب صوتاً لبنانياً من النوع الذي يلقى آذاناً صاغية واستجابة الشقيق الأكبر للشقيق الأصغر.
ربّما الرئيس يغامر أمام مشهدٍ عربيّ ضعيف ومسكون بالأزمات التي تفوق قدرةَ هذا الموقف «غير التقليدي» على تحقيق اختراق نوعيّ في الجدار العربي، خصوصاً أنّ الرياح العاتية التي تعصف بواقع العرب صدَّعت الجسور بين الإخوة ان لم تكن قد هدّمتها كلّها.
تبعاً لذلك، فإنّ من غير المنطقي، أمام استمرار التوتّر العربي واستمرار الاشتباك في أكثر من ساحة عربية وفي مقدّمها سوريا التي هي حاليّاً في ذروة التصعيد، أن نتوقّع أو ننتظر اختراقات جوهرية في منظومة العلاقات العربية العربية، إذ إنّ محاولات التجميل الكلامية أو المُتخيّلة للواقع العربي، لا تكفي للدفع في اتّجاه إعادة لحمِ ما هو مقطوع بين العرب وحتى لو كانت نوايا أصحاب هذا الكلام حسنةً وصادقة، ذلك أنّ الوضع العربيّ أصعبُ حالياً مِن كلّ النوايا الحسنة، التي قد يَعتقد البعض في إمكان تحويلها إلى مبادرات للجمع.
علماً أنّ تحويل النوايا الحسنة إلى مبادرات يصبح ذات قيمة وذات فعالية، فقط إذا كانت اللحظة العربية مؤاتيةً لها ومستعدّة لتقبُّلِها، لكنّ اللحظة العربية غير مؤاتية الآن، بل هي من الصعوبة التي تُبقيها مفتوحةً على شتّى الاحتمالات السلبية.
ما يستطيعه لبنان أمام هذا الجدار العربي الصلب، هو أن يُبرز أمام العرب مشهداً لبنانياً موحّداً تجاوَز حالة الفراغ الرئاسي التي كان يعيشها، مشهداً انتظمَ فيه عمل المؤسسات وبات محكوماً بنوع من الانسجام الوطني، وخصوصاً على المستوى الرئاسي والسلطات.
الأهمّ مِن هذا كلّه هو التأكيد للشقيق العربي أنّ هذا اللبنان ما زال صامداً في ظلّ النار المشتعلة في محيطه، ومحافظاً على تماسكِه الداخلي، وهو المثقل بما يزيد عن مليونَي نازح سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني.
والأهمّ أيضاً في هذه اللحظة العربية المأزومة ألّا يُكبّر لبنانُ الحجرَ ويبالغَ في طروحات أكبر من قدرته وقدرةِ العرب على تحقيقها أو الاستجابة لها، خصوصاً أنّ تعليق آمالٍ على بئر جافّةٍ سيؤدي حتماً إلى العطش، وإلى ردود فعلٍ عكسيّة.
لذلك، أقصى ما يمكن أن يَصرخ به لبنان في وادي العرب هو مصارحتُهم بالأساسيات:
– التضامن العربي مع لبنان قولاً وفعلاً.
– مساعدة لبنان على التصدّي لملفّ النازحين السوريين ومشاركتُه في تحمّلِ هذا العبء ولو بالحدّ الأدنى، خصوصاً أنّ هذا الملفّ آخذٌ بالتفاقم ويهدّد بانفجار على المدى البعيد، سواء على المستوى الاجتماعي أو غير ذلك.
– التضامن مع لبنان في وجهِ الخطر الإرهابي الذي يَتهدّده مع سائر الأقطار العربية.
– التضامن العربي مع لبنان في وجه الخطر الإسرائيلي وما يُحكى عن سيناريوهات حربية يُحضّرها العدوّ الإسرائيلي ضدّ لبنان.
– التفهُّم العربي لطبيعة الوضع اللبناني وحساسيته، وبالتالي ألّا يكون «حزب الله» عنصراً خلافياً في البيان الختامي للقمّة.
– ألّا يُحرَج لبنان باتّجاه مواقف ملزَمٍ باتّخاذها وتفرضُها المحافظة على وحدته الوطنية وعلى نسيجه الوطني العام.
– ألّا يُحرَج لبنان بما هو أكبرُ مِن استطاعته في ما خصَّ الأزمة السورية وتداعياتها، علماً أنّ لبنان محصَّن في هذه الناحية بتجارب سابقة قائمة على قاعدة أساسية عنوانُها «التحفّظ» أو «النأي بالنفس».
لقد أعطى البيان الأخير لوزراء الخارجية العرب عشيّة القمّة، وبمضمونه الهادئ وبتعابير التضامن مع لبنان وعدمِ إثارة عناوين خلافية، إشارةً واضحة إلى ما يمكن أن يناله لبنان في البيان الختامي للقمّة، وهناك من يقول إنّ التواصل الذي حصل بين الرئيس عون وبين رئيس القمّة العربية في دورتها الحالية الملك الأردني عبدالله الثاني وبين الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، نجَح في توفير مجموعةٍ من الضمانات حيال موقع لبنان في القمّة، وكذلك حيال نظرةِ العرب إليه وتفهُّمِهم لحساسية وضعِه.
وإذا كان لبنان مطمئنّاً بعض الشيء، لبيان الوزراء العرب، فإنّه يذهب إلى القمّة حذِراً من وجود ألغامٍ كامنة له في بعض زوايا القمّة.
ومبعثُ هذا الحذر كان «الرسالة الخماسية» المرسَلة إلى القمّة العربية من الرؤساء أمين الجميّل، ميشال سليمان، فؤاد السنيورة، تمّام سلام ونجيب ميقاتي، وأكثر نزلت بشكلها ومضمونها كالصاعقة على الرئيس ميشال عون ونبيه برّي الذي كرَّر الإعرابَ عن استيائه من هذه الخطوة بقوله : «أعجب أن يكون وزراء الخارجية العرب أحرصَ على لبنان من بعض اللبنانيين».
التدقيق الرئاسي مستمرّ في خلفيات تطييرِ هذه الرسالة إلى القمّة. ومِن وجهة النظر الرئاسية، ليس مقنعاً التبريرُ الذي ساقه بعضُ الموقّعين على الرسالة من أنّ هدفَها هو تدعيم الموقفِ اللبناني في القمّة وليس التشوبش عليه. بل إنّ السؤال الرئاسي المطروح حولها: أيّ دور وظيفيّ لها وأيّ هدفٍ غيرِ مرئيّ لها؟ والأهمّ، أيُّ أنامل صاغَتها؟
الخشية الرئاسية من هذه الرسالة أن تكون مندرجةً في سياق هدفٍ ضمني يُراد تحقيقُه من خلالها، وأن تكون مقدّمةً لأمور أخرى تصبّ في مضمونها، أو لمفاجآت في القمّة تنقل هذا الهدوءَ المعَبَّر عنه في بيان وزراء الخارجية العرب إلى مكان آخر؟
لا يُصدّق أحد الرؤساء أنّ أصحاب الرسالة ناموا واستيقظوا وقرّروا بين ليلة وضحاها أن يلتقوا فوراً لصياغتها، إذ لا روابط أصلاً في ما بينهم، وأكثر من ذلك، علاقة بعضِهم ببعضهم الآخر «يسرَح فيها الغنم» حتى الآن لم نَعرف ماذا يريدون»؟
يبقى أنّ أحد الموقّعين على الرسالة صارَح من استوضَحه الأمر قائلاً: «لو لم أكن مشاركاً فيها لكانَ مضمون الرسالة أصعبَ، لا بل أسوأ بكثير ممّا ورد فيها، إذ إنّ وجودي كان الضابط لإيقاعها عند الحدّ الذي انتهت إليه».
ربّما ومنعاً للالتباسات كان في مقدور هذا «الرئيس» ألّا يشارك أصلاً في التوقيع وينأى بنفسه عن الرسالة وأيضاً عن ارتداداتها.