IMLebanon

لبنان والحرب على «داعش»: تسرُّب مسلحين وتدفُّق نازحين

تقصف قوات التحالف الإقليمي ـ الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مواقع «داعش» و»جبهة النصرة» في العراق وسوريا. ولكن، على رغم الأهداف المعلنة لم تعلن واشنطن استراتيجية واضحة. فقد تكون الأهداف العسكرية واضحة، إلّا أنّ الأهداف السياسية ما تزال غامضة، ولذلك لا يمكن الجزم في أنّ الوضع اللبناني سيكون في منأى عمّا يحصل.

يقول بعض المتابعين إنّ انعكاسات الحرب على «داعش» و«النصرة» وأخواتهما على لبنان مرتبطة بطبيعة الأهداف الأميركية. لكن حتى ولو جاءت هذه الانعكاسات إيجابية، فإنّها لن تخلوَ من سلبيات، لأنّ الهجوم على هذه التنظيمات المتطرفة سيزيد الخناق على الآلاف من مسلحيها المتحصنين في الجرود الواقعة على الحدود اللبنانية ـ السورية.

«أرض خصبة»

ويقول العميد المتقاعد من الجيش اللبناني ريشار داغر لـ«الجمهورية» إنّ اهتمام التحالف ينصَبّ بالدرجة الأولى على التدخّل ضدّ تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، ولكنّه غير واضح ولا محدّد الوجهات، ولا يمكن التكهّن ما إذا كان سيستهدف المسلحين في المناطق الحدوديّة بين لبنان وسوريا حيث حصلت مواجهات متكرّرة بين الجيش اللبناني وبين «داعش» في عرسال والعرقوب والبقاع الغربي».

ويشير إلى أنّ «دخول لبنان في التحالف أمرٌ ضروري، لأنّه سيريح الجيش اللبناني الذي سقطَ له عدد شهداء من جهة، وسيحمي لبنان من جهة أخرى، لأنّ الهجوم على التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا قد يجعل من لبنان أرضاً خصبة لاستقطاب المتطرّفين هرباً من هناك، ما يزيد الأوضاع تعقيداً».

ويضيف داغر: «اعترضَ «حزب الله» على دخول لبنان في التحالف الدولي الذي أُعلنَ في جدّة وفرنسا لأنّه يخشى من أن تشكّل تلك المشاركة البسيطة خطراً وانعكاسات على وضعه نتيجة تدخّله في الحرب في سوريا إلى جانب النظام السوري».

ويلفت إلى أنّ «الحزب يعلم ضمناً أنّ التدخّل الدولي سيريحه في القتال ضدّ داعش حاليّاً، ولكن لا يريد لهذا التدخّل أن يؤثّر سلبياً عليه في المرحلة اللاحقة البعيدة المدى». ويرى أنّ «لبنان يمكنه أن يكون في منأى عن أيّ خطر إذا لعبَ إلى جانب التحالفات الدولية دوراً فعّالاً وأدركَ سبيل التصرّف والسيطرة على الشارع».

مشيراً إلى أنّ «المطلوب هو الحدّ من لهجة الخطاب السياسي لبعض القوى السياسية التي تعمَد إلى التأكيد للقاعدة الشعبية أنّ «داعش» وأخواتها تستهدف طائفة معينة». ويؤكّد «أنّ الخطر لا يشمل المسيحيين فقط، وإنّما جميعَ الطوائف، ولهذا يجب أن يشارك لبنان في التحالف الدولي للإفادة من القدرات العسكرية ودرء الأخطار».

حليف غير معلن

على أنّ التحالف الدولي يشكّل حمايةً للبنان في رأي البعض، فيما البعض الآخر يعتبره خطراً عليه. إذ على رغم النتائج المهمّة التي حقّقها الهجوم على المسلحين المتطرّفين في سوريا مقارنةً مع العراق، وما حقّقه قصف مراكز القيادة والاتصالات ومخيّمات تدريب المسلحين من انخفاض ملحوظ في قدرات «داعش» وأخواتها، فإنّ هذا القصف لن يكفي، لأنّ فعالية الهجوم تتطلّب المواجهة البرّية. ولذلك، يبقى الخوف كبيراً من دخول مزيد من المسلحين إلى الأراضي اللبنانية للاحتماء من ضربات التحالف.

وفي السياق، يقول العميد المتقاعد خليل الحلو لـ«الجمهورية» إنّ «محاربة «داعش» برّاً محصورة بـ»الجيش السوري الحرّ» من جهة والجيش العراقي الذي يحاول الدخولَ إلى تكريت من جهة أخرى، ناهيك عن قوات البشمركة الكردية التي لم تقاتل منذ 18 عاماً ولا تمتلك القدرات الكافية للتسلّح، وتأمين أعداد من المقاتلين». ويضيف: «طالما لا وجود لجيشٍ قادر على المواجهة البرّية، فإنّه لن يكون هناك حسمٌ للمعركة في المدى القريب».

ولكنّ الحلو يرى «أنّ ما هو مؤكّد أنّ قدرات «داعشط انخفضَت إلى الحدّ الذي يمكن تشبيهه بأفغانستان، وإنّما الفارق يكمن في أنّ هذا الانخفاض يحصل بلا غزو»، ويعتبر أنّ «داعش لن تكون في المرحلة المقبلة بحاجة فقط إلى إعادة تنظيم صفوفها بعد الخسائر، بل ستكون بحاجة أيضاً إلى تعاطف، لأنّ وضعها سيكون مُذرياً ويتطلّب إعادة تأهيل في التسليح والتمويل الذي لا يمكن تأمينه بسهولة لِما يحتاجه من وقتٍ ومعاملات إجرائية».

ويشير إلى أنّ «مسرح العمليات في سوريا سيكون شبيهاً باليمن والصومال وغيرها من الدوَل، حيث تحَلّق في أجوائها طائرات بلا طيّار». ويتوقع أن تحصل في المرحلة المقبلة «إعادة توازن».

ويقول «إنّ هناك إحتمالات كثيرة، منها أن يستعيد «الجيش الحرّ» قدراته ضدّ النظام السوري بعد القضاء على «داعش» واستعادة حلب والجنوب السوري، وهناك احتمال ضئيل لحصول عمليات انتحارية من جانب النظام السوري كما حصل في ليبيا».

ويؤكّد أنّ «المرحلة المقبلة لن تشهد أيّ هجوم مباشر للمتطرّفين على لبنان مثلما حصلَ في العراق وسوريا، وإنّما سيتدفّق البعض منهم إلى لبنان هرباً من الحملة الدولية التي ستطيحهم».

ويضيف الحلو: «لبنان حليف غير معلن عنه للتحالف الدولي، وما يؤكّد هذا هو مساندة أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر والإمارات للجيش اللبناني، وعلى الرغم من معارضة «حزب الله» لهذا التحالف فإنّه هو المستفيد الأكبر منه».

الصيصان وفقّاسة البيض

من جهته، يقول العميد المتقاعد محمد عبّاس لـ«الجمهورية»: «إنّ للتحالف انعكاسات سلبية على لبنان لأنّ القصف الجوّي بلا تحرّك في الميدان لن يحقّق الفائدة الملموسة، إذ إنه من جهة سيؤدّي إلى تدفّق المسلحين المتطرّفين إلى الأراضي اللبنانية، ومن جهة أخرى سيؤدي إلى استقطاب مزيد من أُلوف النازحين، لينتجَ من ذلك انفجار ديموغرافي ويُبقي عرسال قاعدةً لوجستية لإمداد المسلحين بالبَشر والتموين».

ويشدّد عبّاس على «ضرورة التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، لأنّه يشكّل تنسيقاً عسكرياً ومن أبسط قواعد الدفاع، إذ لا يمكن نفي حقيقة أنّ كلّ من لبنان وسوريا دولتان شقيقتان في التاريخ والجغرافيا». ويضيف: «ستبقى عرسال جرحاً نازفاً طالما لا وجود لتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لتأمين التجهيز الكامل والضروري لضرب داعش».

ويعتبر أنّ «المعركة التي تخوضها الدوَل الغربية ضد «داعش» ترتكز إلى مراهنات على القوى المعارضة للنظامين السوري والعراقي». ويعتبر «أنّ هذه المعارضات التي يصفونها بالمعتدلة تشبه «داعش» وتختلف عنها فقط في بعض التفاصيل».

ويؤكّد عبّاس «أنّ التقارير تشير إلى أنّ التحالف الذي يريد القضاء على «داعش» اليوم كان هو الداعم لها»، ويشير إلى أنّ «الولايات المتحدة الأميركية لم تحرّك ساكناً للقضاء على المصدر المنتج للتنظيمات المتطرّفة من مدارس دينية وجمعيات ورجال أعمال».

ويعتبر أنّ «توسُّع «داعش» لم يحصل فقط في النطاق الجغرافي، وإنّما أيضاً على الصعيد الأيديولوجي، والقضاءُ عليه اليوم يحصل عسكرياً مع ما يتناسب مع سياسة الولايات المتحدة التي لم تتدخّل وتعلن أنّ «داعش» تخطّت الخطوط الحمر إلّا عندما وصلت إلى ضواحي أربيل، فيما لم تحرّك ساكناً في الموصل»، ويختم مؤكّداً أنّه «لا يمكن القضاء على الصيصان وفقّاسةُ البَيض موجودة».