IMLebanon

لبنان والتحوّلات

إذا كان الانسحاب العسكري الروسي جدّياً، ويبدو كذلك استناداً إلى تصريحات كبار المسؤولين في الكرملين مع بدء انسحاب طائرات السوخوي المقاتلة من الأراضي السورية وسط أنباء متضاربة عن الإبقاء على بعضها لمواصلة الحرب على داعش تمشياً مع القرار الدولي بمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، فماذا يعني هذا القرار وكيف قرأه المجتمع الدولي.

أول ما يعنيه جاء على لسان المسؤولين الروس أنفسهم، وهو الدعم الروسي المطلق للمفاوضات الجارية بين المعارضة السورية بكل أطيافها ونظام بشار الأسد، مما يعني ثانياً أن روسيا سلّمت بالتسوية السياسية التي لا مكان فيها للرئيس الأسد، وهي نقطة الخلاف الأساسية التي كانت عالقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وباقي الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والتي حملت بوتين إلى إرسال طائراته إلى سوريا لدعم بقاء الأسد بعدما أصبح في وضع اليائس نتيجة سيطرة المعارضة على ثلاثة أرباع مساحة سوريا، ووصل جيشه والمتحالفون معه من إيران وحزب الله إلى حافة الإنهيار.

وثاني ما يعنيه هذا القرار الذي كان متوقعاً من جانب الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى كثيرة أن الروس لا يستطيعون أن يستمروا إقتصادياً في سوريا، وأنه لا بدّ لهم من الانسحاب في حال صمدت المعارضة في وجه الحرب التي شنتها روسيا عليها، وهذا ما حصل نتيجة صمود المعارضة طيلة مُـدّة التدخل الروسي، وإن كانت هذه الأخيرة نجحت في تمكين النظام من الوقوف على رجليه هذه المدة، لكنها في الوقت نفسه واجهت صعوبات إقتصادية كبيرة، إنعكست أول ما انعكست إنعكاساً على قيمة العملة الروسية في وجه الدولار الأميركي، الأمر الذي لا تستطيع أن تتحمله مزيداً من الوقت وتغرق في الرمال السورية كما غرق الاتحاد السوفياتي في الرمول الأفغانية، وأدى فيما بعد إلى سقوط الاتحاد السوفياتي كما بات معروفاً.

وثالث ما يعنيه هذا التطور في الموقف الميداني أن المعارضة هي المستفيد الأول من هذا الانسحاب سواء كان جزئياً أو كاملاً، لأنها ستستعيد المواقع التي خسرتها في مرحلة الوجود الروسي، وتتقدّم لتوسيع رقعة سيطرتها على الساحة السورية مما يعجّل في سقوط النظام أو في قبوله بشروط المعارضة التي كرّستها لقاءات جنيف للقبول بتسوية سياسية وهي قيام حكومة إنتقالية كاملة الصلاحيات لا يكون للرئيس الأسد مكان فيها، وبذلك تكتب نهاية النظام القائم وقيام نظام ديمقراطي على أساس إنتخابات نزيهة بمراقبة دولية.

ورابع ما يعنيه القرار الروسي هو أنه أوجد تحوّلاً بارزاً ومهماً في منطقة الشرق الأوسط لن يكون لبنان بعيداً عن مفاعيل هذه التحولات التي ستعيد خلط الأوراق الإقليمية وقد تصل إلى حدّ قلب الموازين التي كانت تحكم الأوضاع الداخلية بحيث يشهد هذا البلد إنخفاضاًَ تدريجياً في السقوف السياسية لحزب الله وحلفائه قد يمهّد لانسحاب الحزب من الحرب السورية وعودته إلى لبنان ليساعد على حل الأزمة الرئاسية بناء على خيارات تصالحية لا تصادمية بما يتلاءم مع هذه التحولات الكبيرة، ويدفع في اتجاه انتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية الحادّة.