إذا كان للمفارقات الزمنية من رمزيات ودلالات معبرة في مسار المواجهة العالمية مع الارهاب بكل تنوعاته وتلوناته، فيمكن القول إن أيلول هو رمز حرب قيل يوماً إنها الحرب العالمية الثالثة التي ستستمر عقوداً في الألفية الحالية. بدأت مع هجمات القاعدة في ١١ أيلول ٢٠٠١ على الولايات المتحدة واتخذت مساراً آخر اشد ضراوة مع هجمة داعش على الموصل في حزيران ٢٠١٤، لتبلغ ذروة التصعيد والاتساع في أيلول الحالي.
قد لا يقلل مخاوف اللبنانيين الذين باتوا تحت وطأة كوابيس التهديدات التي تحيق بهم ان يروا العالم كله مضطرباً ما دام اي طرف إقليمي لا يقوى بعد على انقاذ رهائنهم العسكريين لدى التنظيمات الأصولية في جرود عرسال ولا عن ردع خطر تمدد هذه التنظيمات. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة ان يذهب اللبنانيون ولو مشتتين ومنقسمين مع دولة تفتقد رئيساً ضابطاً لايقاعها بجريرة هلع إضافي لا تزال الظروف القائمة على شدتها لا تبرره. مفاد ذلك ان ألاسابيع التي مرت من محنة الرهائن العسكريين وفواجعها رسمت ما يصعب استخلاصه بتصورات باردة في لحظات الانفعالات الحارة وأهمها ان لبنان الذي لا يصدق أبناؤه انه قادر على مواجهة الارهاب الزاحف لا يزال يمتلك الفرصة والقدرة على منع هزيمته وانهياره أمامه.
هذا الذي يجري منذ خطف العسكريين وضع الجيش أمام معمودية غير مسبوقة لا في زمن الحروب ولا حتى في مواجهة اسرائيل نفسها. ولا نظن انه من الحكمة والتبصر ان يغفل لبنانيون عن رؤية ما تراه دول كبرى في مراس الجيش وشجاعته في المواجهة المفتوحة مع التنظيمات الارهابية كنقطة ارتكاز اساسية وحيدة حالياً لصد اي امكان لتمددها الى داخل الحدود اللبنانية. كما انه على رغم المشهد السياسي المأسوي المهلهل في زمن العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية ولملمة الواقع الداخلي وتحصينه، اثبتت الفترة التي أعقبت هجوم ٢ آب في عرسال وجرودها ان سقفاً لبنانياً عاماً كفل منع انهيار لبنان تحت الفتنة التي يراد له ان يغرق فيها تحت وطأة القتل الإجرامي او التهديد اليومي بتصفية الرهائن العسكريين.
يعني ذلك من دون إمعان في طمأنة مصطنعة للنفس انه يتعين على اللبنانيين ألا ينجرّوا وراء ذعر الدعاية الترهيبية التي باتت الخطر الأكبر التي يتهدد مسار المواجهة مع التنظيمات الارهابية. هذه المواجهة لم يعرف العالم مثيلا لها لأنه لم يتكيف بعد مع انماطها. ولعل لبنان، الذي اختبر الكثير من تجاربها منذ مطلع العام ٢٠٠٠ ، قد يكون المؤهل للتكيف الأسرع مع الخطر المحدق به خصوصا انها المرة الاولى فعلا التي تشعر فيها جميع فئاته وطوائفه بأنها أمام خطر وجودي لا خيار معه سوى “التعسكر” لمرة نادرة وراء الجيش.