عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، ستثير موجة ارتياح واسعة لدى اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وأحزابهم السياسية، بعد أيام مريرة من الهواجس والتكهنات، حاول أصحاب النوايا المبيتة تغذيتها بموجات من الإشاعات المغرضة، بهدف التغطية على أسباب الاستقالة، وجوهر مضمونها!
من الواضح أن لا عودة عن الاستقالة، من دون معالجة أسبابها، والتي يمكن اختصارها بنقطتين أساسيتين:
{{ الأولى: إصلاح الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية، نتيجة الخروج عن بنود التسوية، وعدم التقيّد بالتزاماتها من جانب التيار الوطني الحر وحليفه «حزب الله»، الأمر الذي وضع القرار الرسمي تحت هيمنة هذا الفريق، على حساب دور وفعالية رئيس الحكومة في صنع هذا القرار.
{{ الثانية: التعهد بالتطبيق الجدّي والعملي لسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وذلك تنفيذاً لما تعهّد به رئيس الجمهورية في خطاب القسم، والتزاماً بما ورد في البيان الوزاري للحكومة الحريرية.
رب قائل إن معالجة الخلل في المعادلة الداخلية، يبقى شأناً لبنانياً قابلاً للحل، والتوصل إلى نتائج مرضية، على الطريقة اللبنانية «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، خاصة في حال اقتنع التيار والحزب بضرورة تدوير الزوايا، والعمل الفعلي على ملاقاة الرئيس سعد الحريري في منتصف الطريق، بعدما قدّم هذا الكمّ من التضحيات والتنازلات، حفاظاً على الاستقرار الداخلي، وإنقاذاً للتسوية المرحلية من الانهيار، ولو على حساب رصيده الشعبي لدى جمهوره.
أما بالنسبة لمسألة النأي بالنفس، فالقضية تبدو أكثر تعقيداً، بسبب تداخل العوامل الخارجية من جهة، وإصرار إيران على إبعاد لبنان عن الحضن العربي، وإلحاقه بالمحور الإيراني، على نحو ما أعلنه أكثر من مسؤول إيراني، وآخرهم مستشار المرشد الروحي علي أكبر ولايتي عندما زار بيروت، مطلع الشهر الحالي!
لذلك يُدرك اللبنانيون أن عودة الرئيس الحريري، على أهميتها الوطنية، لن تحل الأزمة التي يتخبّط فيها البلد، والتي تبدو وكأنها ما زالت في بدايتها، وقد تمر أشهر قبل أن تكتمل فصولاً!
وفي حال عدم تجاوب التيار والحزب مع أسباب الاستقالة في شقيها: الداخلي والإقليمي، فإن أفضل السيناريوهات المطروحة توحي وكأن لبنان دخل نفق أزمة داخلية – عربية، ستكون لها ارتدادات زلزالية على الأوضاع السياسية والاقتصادية.
وأثبتت المناقشات والكلمات التي أطلقت في الاجتماع الاستثنائي لمجلس جامعة الدول العربية، أمس، أن فترة التسامح العربي مع لبنان قد انتهت، وأن على الدولة اللبنانية أن تتحمّل مسؤولية أعمال «حزب الله» في الدول العربية، لا سيما الخليجية، التي تصنف الحزب «منظمة إرهابية».
تصاعد التوتر مع الأشقاء الخليجيين، أصبح أمراً واقعاً، لا يستطيع أحد تجاهله، أو القفز فوقه، ويكاد يصبح في صلب الأزمة السياسية الحالية، والمفتوحة على شتى الاحتمالات السلبية، بما فيها احتمال بقاء السلطة في وضع ملتبس، في ظل حكومة تصريف أعمال، غير قادرة دستورياً على التمتع بالصلاحيات الدستورية اللازمة لإدارة شؤون البلد، وتلبية حاجات الناس!
أما القول باحتمال تعديل الدستور لإعطاء الحكومة المستقيلة صلاحيات الحكومة العاملة، فهو يعني الدخول في متاهات دستورية جديدة، ستزيد الأزمة السياسية تعقيداً، وتؤجج الخلافات الداخلية.
لبنان على مفترق دقيق وخطير، والعهد محاصر بدوامة مخاض عسير، تجاوز مخاطرها والخروج منها بأقل خسائر ممكنة، يتطلب الكثير من التبصّر والحكمة، والابتعاد عن ردود الفعل والأفعال، والقدرة على الابتعاد عن البراكين المتفجرة، وخطوط التماس المشتعلة في الإقليم، والالتزام بسياسة النأي بالنفس على الأقل!
فهل يتفهم حلفاء العهد ما يتعرّض له من إحراجات ومخاطر، أم أن السيف سبق العذل؟