الحرب أولها كلام، كما قال شاعر عربي قديم. والوقت مبكر بالنسبة الى المراقبين وحتى اللاعبين للجزم بأن هذه القاعدة تنطبق أو لا تنطبق على حرب الكلام الدائرة بين أميركا واسرائيل من جهة وايران ومعها حزب الله من جهة أخرى. فالشائع هو قراءتان في التهديدات العنيفة المتبادلة: واحدة تضعها في خانة الحرب النفسية، وتكبير الحجر للامتناع عن الضرب به، واستخدام الخوف المتبادل من الدمار في الابتعاد من التهوّر والحسابات الخاطئة وتكريس استراتيجية الردع المتبادل. وأخرى ترى متغيرات ضاغطة في اللعبة الجيوسياسية الدائرة في سوريا والعراق واليمن، بحيث يصبح الدفاع عن الربح لدى طرف ورفض الخسارة لدى طرف آخر مسألة حياة أو موت.
لكن الواضح ان هناك اجراءات عملية ترافق التهديدات. والمرئي بالعين المجردة هو عاصفة تتجمع في سماء المنطقة. أميركا تنتقل من رهان ادارة أوباما على تفاهم اقليمي مع ايران بعد الاتفاق النووي الى خروج ادارة ترامب ضمنيا من الاتفاق النووي ورسم استراتيجية جديدة لضرب المشروع الايراني في المنطقة والتهديد بتصنيف الحرس الثوري تنظيما ارهابيا الى جانب تشديد العقوبات على حزب الله بعد عشرين سنة من تصنيفه ارهابيا. وأقل ما تردّ به طهران هو ان الوقت حان لتلقين أميركا دروسا جديدة وان الأميركيين أصغر من أن يتمكنوا من إلحاق الضرر بالحرس الثوري، وكل الخيارات مفتوحة بما فيها ضرب القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة ومن بينها اسرائيل.
وكما في الطبيعة كذلك في السياسة: لبنان في قلب العاصفة. فكل منخفض جوي يأتي من الخارج يؤثر في طقس لبنان. ونحن نترقب الآن نوعا من منخفض جوي استراتيجي شديد التأثير على لبنان. وفي الحالين لا دور للبنان إلاّ في تحمّل التبعات. لا هو يستطيع بالطبع ردّ المنخفض الجوي. ولا لبنان الرسمي حاضر في الألعاب والقرارات التي تقود الى المنخفض الاستراتيجي، فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يرى ان المحور الايراني منتصر وهذا ما يزعج السعودية واسرائيل، ويهدّد اسرائيل بردّ لا سابق له اذا حاولت الاعتداء على لبنان. وحزب الله مرتبط طبعا بأي قرار ايراني في مواجهة أميركا واسرائيل. ووزير الدفاع الاسرائيلي ليبرمان يهدّد بتدمير لبنان في أي حرب مع حزب الله ستشمل سوريا أيضا، ويدعي كذبا، ان الجيش اللبناني، صار جزءا من منظومة حزب الله.
ولا أحد يعرف كيف تتطور الأمور. لكن الظاهر ان كلا من أميركا واسرائيل وايران وحزب الله يلعب دور الخائف المخيف.