يوم الأحد الماضي حذّر وزير الداخليّة نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي، أنّ التفجير الإرهابي في برج البراجنة لن يكون الأخير، ولاحقاً أكّد مدير عام الأمن العام أنّ هذه العمليّة الإرهابيّة لن تكون الأخيرة، وهذا الكلام نقل لبنان إلى مرحلة جديدة من القلق الأمني الذي ينتاب اللبنانيين، وبالأمس حملت الأخبار ما يؤكّد مخاوف اللبنانيين والمسؤولين والأمنيين مع الإعلان عن «ضبط كميات كبيرة من المتفجرات والصواعق والأحزمة الناسفة المجهّزة للتفجير»، وكما أحزمة برج البراجنة مجهّزة محليّاً، سنعرف أنّ ما تمّ ضبطه مجهّز محلياً!!
بعد إزاحة الستار عن نتائج التحقيق في حادثة الطائرة الروسية التي أسقطت في سيناء بعمليّة إرهابيّة بعد تفجيرها بقنبلة «صناعة يدوية» تزن 3 كيلوغرامات، وبعد تفجيرات باريس الإرهابيّة وليلتها الدّامية والأحزمة الناسفة المصنوعة يدويّاً أيضاً، وما تناقلته الأنباء عن دخول الإرهابيين من بلجيكا، وتورّط آخرين في ألمانيا، وعن تسجيل بعضهم كلاجئين في صربيا واليونان، ونحن هنا نتحدّث عن دول الإتحاد الأوروبيّة» التي تسجّل نسبة من الأمن تتّسم بالاستقرار، علينا ربّما أن نخاف كثيراً، فالإرهاب ليس نائماً ولا خلاياه بالطبع، بل تعمل على قدمٍ وساق لتفجير الأمن والاستقرار الذي كنّا نشكو من هشاشته، وها نحن نكتشف حجم الجهود المبذولة من كلّ القوى الأمنية والعسكريّة والاستخباراتيّة وقياداتها ومن المنوط بها مسؤوليّة هذه الأجهزة، وحالة الإلهاء العبثي التي دخلها لبنان مع «الحركات» التي تنسب نفسها للحراك المدني، وكم شاغلت وألهت القوى الأمنيّة واستنزفت قواها وحرّضت اللبنانيين عليها، فيما يتربّص بنا إرهاب «داعش» وأحزمتها الناسفة، علينا أن نفكّر جيّداً بالأيام التي تم استنزاف القوى الأمنيّة فيها عن مهامّها الحقيقيّة تحت عناوين سمجة من «بدنا نحاسب» إلى»طلعت ريحتكن» إلى «كلّن يعني كلّن»، وكم تورّط بعض القنوات الإعلامية وذهب إلى الآخر في محاولة تقديم صورة «الفوضى» التي تضرب لبنان، لكأنّها تلاقي الإرهاب فيما هو يتحضّر لنسف لبنان وإشعال فتن متنقلة فيه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب!!
نحن و»الأحزمة الناسفة» و»العبوات الناسفة» وجهاً لوجه، ولبنان الذي لا يملك قدرات فرنسا ولا الحلفاء الذين هبّوا لدعمها من الولايات المتحدّة الأميركيّة إلى روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، علينا أن نؤدّي فيه التحيّة والفخر لأجهزته الأمنية من قوى الأمن الداخلي، خصوصاً فرع المعلومات الذي نترحّم كثيراً على مؤسّسه اللواء الشهيد وسام الحسن، إلى جهاز الأمن العام، إلى استخبارات الجيش وقيادتها، إلى الجيش اللبناني أولاً وأخيراً وقيادته التي انصرفت إلى تعزيز أمن الحدود اللبنانية وحمايتها من الشمال إلى عرسال، في لحظة مخيفة تلقي بنا فيما هو أفظع بكثير مما عرفناه من جولات السيارات المفخخة خلال الحرب الأهليّة، ها نحن وجهاً لوجه مع الأحزمة الناسفة، كانت الناس تتوجس خيفة وتلقي الشبهات على سيارة غريبة مركونة في مكان ما، الآن الناس تتوجس خيفة من بعضها البعض، فكلّ سائر على قدميه أو على دراجة نارية هو «عبوة متنقّلة» ومشروع تفجير محتمل!!
وبقدر نشاط الحركة الأمنية وصحوتها، هذا الانتعاش السياسي الذي استيقظ بعد العمليّة الإرهابية المزدوجة في الضاحية الجنوبيّة، ما زال بطيئاً جداً، بطيء إلى حدّ «السلحفاتيّة»، فالبلد لا يتحمل تقطيع الوقت و»حدف» الجلسات من أسبوع إلى أسبوع، فاللبنانيّون لم يعودوا يصدّقون هذه الحال «التحاببيّة» التي تلجأ إليها جميع القوى السياسية فتنحني حتى تمرّ العاصفة، لم تعد تنطلي على اللبنانيين، وندرك أنّ انعتاق كلّ من محوره من المستحيلات، ومع هذا ما يطلبه اللبنانيّون ليس بالكثير، كفّوا عن التعطيل، يجب أن تكون الحكومة في حال انعقاد دائم، وأمن واستقرار لبنان ومواجهة الإرهاب البند الأوّل على جدول أعمالها والباقي تفاصيل لتصريف أمور الناس…
اتفقّوا أم لم يتفقّوا، يُدرك اللبنانيّون أن القرار في مكان آخر، وأن مصيرهم مرهون بطاولة مفاوضات ڤيينا، ولا نريد من جميع الفرقاء إلا أمراً واحداً أن يلزموا الهدوء ويبتعدوا عن التجاذبات والتراشق، فالناس بالكاد قادرة على التقاط أنفاسها وأنفاس البلد، برغم انقطاع النَّفَس!!