وجد اللبنانيّون أنفسهم بالأمس وسط ظلام دامس، كانوا قد ظنّوا أنّهم لن يضطرّوا لمعايشته لأنّهم يدفعون أكبر فاتورة في العالم للحصول على الكهرباء، في «فيلم» كباشٍ مستمرّ بين مافيا إمبراطوريّة المولّدات وعضلات الدولة التي استفاقت منذ منتصف الصيف على «فكرة» تركيب عدّدات، بالرّغم من إدراكها أنّها دولة بلا هيبة، لم نسمع طوال الأشهر الثلاثة الماضية سوى التهديد بأنّه سيتم تنفيذ أمر الاستعانة بالقوى الأمنية لمصادرة مولّدات من لا يلتزم بأمر تركيب العدّادات، ومع هذا استغرقت الدولة أشهراً ثلاثة في تضييع الوقت بالتفاوض من مجموعة مافيا «إمبراطوريّة» المولّدات، حتى دفع المواطنون الثمن بالأمس عتمة قسريّة مباغتة!
هذه المافيا، متمكّنة من رقاب اللبنانيّين بفضل الدولة الغارقة في استنزاف المواطن اللبناني حتى آخر قطرة من دمه، وهي تعلم أنّ هذه المافيا محميّة ولها غطاء سياسي، وأنّه يسقط قتلى في حال فكّر مافياوي منهم الدخول إلى منطقة مافياوي آخر لمدّ اشتراك، هذا من جهة المولّدات، أمّا من جهة الدولة فالشُبه الكثيرة والظنون والرّيَب تدور حول موضوع العدّادات «الذي خلق فجأة» من دون أن يعرف المواطن أين صار موضوع الإخبار الذي تقدّمت به محامية محسوبة على حزب الله والذي كشفت فيه أنّه «شركة لبنانية اشترت بتاريخ 6 شباط 2018 مليون عداد كهرباء من فرنسا، علماً أن هذا العداد أصبح خارج الخدمة في فرنسا لأنه تمّ استبداله بنوع linky، واللافت بالموضوع هو أنّ الشركة اللبنانية يملكها بعض الوزراء والنواب اللبنانيين، وهناك اسم أحد المستشارين بأحد الدوائر الكبرى ضالع بالصفقات ومقرّب من مرجع كبير»، إلى هنا الأمر منطقي، بل عادي جداً بالنسبة للمواطن الذي يعرف أنّه يعيش في وطن الهدر والسمسرات والسرقات، لكن ما ليس مفهوماً بالنسبة لنا هو أن تأخذ الدولة قراراً هي عاجزة عن القيام بأعبائه، فيدفع المواطن للمرّة الثالثة ثمن فضيحة الفضائح الكهرباء في لبنان!!
حرب مغارات اللصوصيّة المواطن ليس مضطر لدفع ثمنها عتمة قسريّة والأنكى أنّ ساعتيْ التعتيم اللتيْن عوقب بهما اللبناني ثمنها مدفوع من بداية تشرين الثاني، مافيا المولّدات تقبض مستحقاتها سلفاً، وقد اعتادت أنّها أقوى من الدّولة ومن المواطن وأنّ الشّلف والسلبطة حقّ لها، وهناك اليوم من يريد مقاسمتها «حقّها الشّرعي»!
كان من الأجدى لو احترمت الدولة والوزارات المعنيّة ولم توصل المواطن إلى مشهد الأمس، أو على الأقلّ أن تقول للبنانيين استعدوا وأعدّوا بيوتكم واعثروا على بدائل عن المولّدات تمثّل حلولاً مؤقتة إلى حين حلّ هذا الصراع العويص في عزّ الحرب وشبه الانقطاع الدائم للكهرباء، وجد اللبنانيّون عشرات الحلول والبدائل، كان على الدّولة تحضير نفسها وتحضير المواطن بدلاً من أن ترمي به بين فكّي مافيا أصحاب المولّدات، الذين بلغوا من الوقاحة حدّ إصدار بيان يخاطبون فيه المواطنين اللبنانيين ويصفونهم بقولهم «أهلنا وناسنا»أو «أنتم منّا ونحن منكم» من «وين لوين يا مافيوي؟! أو»أنتم لا تقبلون لنا الإهانة والمسّ بكرامتنا»، بالطبع المقصود هنا «أموالنا» التي نمتصّها من دمائكم منذ سنوات!
هذه المهزلة ـ الأزمة على الدولة أن تجد لها حلاً، طبعاً على طريقة المثل اللبناني «اللي طلّع الحمار عالميدنة ينزّلوا ـ هكذا قرارات لا تؤخذ بهذه الطريقة ولا تنفّذ بهذه الطريقة، ثمّ «هل شغلة» القوى الأمنيّة تروح تكمش موتورات، وهل هي مجهّزة بالمعدّات اللازمة لمصادرة الموتورات، ثم إلى أين ستنقلها، هل خصصت أماكن احتجاز، وقبل أن تفعل كلّ هذا هل أعطت مهلة للمواطن ليؤمن بدائل الإضاءة بدل اشتراك الموتور؟ ليس أسوأ من مافيا المولّدات إلا الدّولة العاجزة عن تأمين الفيول لمعامل الكهرباء في وقتها، وعاجزة عن زيادة ساعات التغذية بالتيّار الكهربائي، وبدلاً من أن تحشر مافيا المولّدات ألقت بمواطنيها بالأمس تحت رحمة مافيا متوحّشة لا ترحم!!
تفضّلوا وامنحوا المواطنين فرصة معلنة أقلها خمسة عشر يوماً ليدبّروا أمورهم ويجهّزوا بيوتهم فيها بالبدائل المقبولة، وبعدها «قبّروا بعض عخبريّة العدّادات أنتو ومافيا المولّدات» هذه المافيا صناعة هذه الدولة، والمواطن غير مسؤول فقط عن حلّ مشكلته!