بدأت الدورة العادية الثامنة والأربعون بعد المئة، لوزراء خارجية الدول العربية في العاصمة المصرية، القاهرة بجدول أعال حافل من 31 بنداً.. في ظل ظروف وأوضاع وتطورات دولية وإقليمية وعربية بالغة الدقة في مكان، وبالغة الخطورة في أمكنة أخرى وحافلة بالغموض.. لم يحضر وزير الخارجية جبران باسيل «المؤتمر» تمثل لبنان بالأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلي، من دون تبيان الأسباب التي دفعت الوزير باسيل الى الغياب.. خصوصاً وأن لبنان وان غاب عن جدول الأعمال فلن يغيب عن المداولات، وهو الذي عبر بنجاح مرحلة الصراع مع «الارهاب التكفيري» ولايزال محط أنظار ومتابعة عديدين، وما يمكن ان تؤول اليه التطورات مع الكيان الاسرائيلي، حيث سارعت القيادات الرسمية العليا في الدولة (رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري) الى الطلب من وزارة الخارجية، وبالتحديد من الوزير باسيل، تقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل لقيامها بزرع أجهزة للتجسس في الأراضي اللبنانية وخرق الطيران الحربي الاسرائيلي المتواصل للأجواء اللبنانية.. في انتهاك فاضح للقرار 1701 وسائر القرارات الدولية، اضافة الى الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على لبنان بحراً وبراً وجواً..
جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية سيكون حافلاً بالموضوعات، في ظل أوضاع مؤسفة تمر بها جامعة الدول العربية، التي لم تعد تحمل سوى الاسم، وأمينها العام أحمد أبو الغيط من فشل الى فشل، ولم يتمكن في زيارته الأخيرة الى العراق ولقائه رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني من «تأجيل مؤقت» للاستفتاء (المدعوم أميركياً) والذي يقضي بفصل الاقليم عن الدولة الأم – العراق.. هذا في وقت تعيش غالبية الدول العربية حالة من التناقضات – بل والقطيعة – غير المسبوقة..
ليس من شك في أن التدخلات الايرانية في صلب الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية (ابتداء من اليمن الى البحرين فالعراق وسوريا ولبنان) ستكون بنداً رئيسياً على جدول الأعمال، تماماً كبند خلافات مع الدول الأربع (السعودية، مصر، الامارات والبحرين) مع دولة قطر والتي بلغت حد القطيعة.. وسيترك ذلك آثاراً عند قراءة الملف اللبناني..
لقد مر لبنان بمرحلة دقيقة للغاية ولاتزال تداعياتها محور انقسامات داخلية، بعد نجاح الجيش اللبناني في تحقيق انتصار بالغ الأهمية على «داعش» و»النصرة» وتحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والفاكهة والقاع، المحاذية للأراضي السورية من الجماعات الارهابية.. التي وما ان طويت صفحتها حتى عادت الخروقات والتهديدات الاسرائيلية الى الواجهة من جديد تحتل موقعاً متقدماً في العلاقات والاتصالات اللبنانية الخارجية، بالنظر لما يمكن ان تحدثه هذه الخروقات من تداعيات في اطار محاولات الكيان الاسرائيلي توتير الوضع في لبنان وتهديد أمنه واستقراره.. الأمر الذي دفع الرئيس العماد عون الى مكاشفة العديد من السفراء الذين التقاهم، وتأكيده ان شكوى لبنان في مجلس ضد إسرائيل.. لن تكون مجرد اجراء ديبلوماسي روتيني، بل ستتم ملاحقة مفاعيلها، ذلك ان لبنان الذي انتصر على الإرهاب التكفيري مصمم كذلك على عدم السماح بأي انتهاك لسيادته، وفق ما تقتضيه مصلحته العليا وتنص عليه قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها.. وهي رسالة سيحملها ممثل لبنان في اجتماع وزراء الخارجية العرب..
قد يكون من المبالغة في التفاؤل خروج الاجتماع بتوصيات توفر الحد الأدنى من العودة الى التضامن العربي المطلوب في مواجهة التحديات الاقليمية والدولية ومكافحة الإرهاب واقتلاعه من جذوره ووقف الدعم المادي والثقافي والعسكري والسياسي له، ليتفرغ العالم العربي الى القضية المركزية قضية فلسطين. خصوصاً وان تسريبات عديدة تحدثت عن تصويبات جديدة وتصعيد غير مسبوق ضد «شياطين ايران» في لبنان وسوريا..
لقد كان لافتا ومع كل هذه التطورات، الانفتاح المصري، غير المسبوق على هذا النحو، باتجاه لبنان الذي حقق انجازاً بالغ الأهمية بتحرير الجرود الشرقية من التنظيمات الارهابية.. وقد حمل السفير نزيه النجاري رسالة بالغة الدلالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى الرئيس العماد عون، نقلت «تضامن مصر قيادة وحكومة وشعبا مع لبنان الشقيق..» مؤكداً «ان الجيش المصري يخوض ذات المعركة ضد تنظيم «داعش» الارهابي ويقف في خندق واحد مع نظيره اللبناني في مواجهة عدو مشترك..».
كما ومن المبالغة في التفاؤل الاعتقاد بإمكانية تقريب مساحة التباعد بين العديد من الدول العربية والعديد من القوى السياسية في لبنان، من الذين يماشون «حزب الله»، وذلك على الرغم من محاولات اعادة مد الجسور بين المملكة العربية السعودية وايران والسير بالمهادنة السياسية.. ولبنان يعاني الأمرين نتيجة تداعيات «الحرب الكونية في سوريا» والمتمثلة بنحو مليون ونصف مليون نازح سوري على امتداد الاراضي اللبنانية، وهي مسألة شكلت بنداً أساسياً في برنامج زيارة الرئيس سعد الحريري الى موسكو كما في زيارته الأخيرة الى فرنسا واتصالاته المباشرة مع العديد من قيادات الدول المؤثرة والنافذة.. وهو (أي الحريري) بات في قناعة الغالبية، حتى من بين خصومه، «يتصرف بعقلانية..» على ما خلص اليه نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، لافتاً الى ان «الاتفاق على بعض الملفات بين الحزب والرئيس الحريري هو نقطة ايجابية..» ومشدداً على ضرورة «بقاء الحكومة وعدم المس بها حتى الانتخابات النيابية المقبلة..».
المسألة في قناعة متابعين أبعد من ذلك، خصوصاً وأن لبنان يتلقى التداعيات ولا يصدرها إلا بقدر ما تكون هناك حاجة عربية – اقليمية – دولية لدور ما يكون لبنان مؤهلاً له.. وهو لن يكون غائباً عن المداولات إلا بقدر ما شكل نموذجاً في محاربة «الإرهاب الداعشي» الذي خرق الحرمات المصرية كرد على التقارب مع «حماس» كما وحاول خرق الأمن السعودي بمحاولة تفجير وزارة الدفاع على ما قيل.