يؤكّد مطّلعون على التطوّرات التي تشهدها العلاقة اللبنانية ـ السعودية أنّ قيادة المملكة العربية السعودية وضَعت منذ أيام الملف اللبناني على طاولة القرار والترجمة العملية لكلّ توجّهاتها إزاء بلدِ الأرز، ويُنتظر أن تتظهَّر فصول هذا القرار تباعاً في قابل الأيام والأسابيع، لتبلغَ الذروةَ مع دخول البلاد العدَّ العكسيّ لإنجاز الاستحقاق النيابي.
المملكة، يقول المطّلعون، ستُقدّم الدعمَ السياسي الكبير للبنان في مجال مساعدته على إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية، لإدراكها أنّ ما آلت إليه أوضاعه تفرض إنتاج سلطةٍ جديدة تتحمّل مسؤولية دفعِ البلد الى آفاق الانفراج والاستقرار والنأي به عن النزاعات والمحاور الاقليمية.
وابتداءً من الشهر المقبل، وربّما في خلال الأسبوع الاوّل منه، يُنتظر ان تُستأنفَ اللقاءات اللبنانية ـ السعودية، في الرياض أو في جدّة، لا فارق، والتي اقتصرَت الى الآن على رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل وتوقّفت لانشغالِ القيادة السعودية ببعض اسفارِ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي كان آخرَها زيارته لموسكو، وكذلك انشغالها باستقبال بعض المسؤولين العرب والأجانب ومنهم قبلَ أيام وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فضلاً عن انشغالها ببعض الاجتماعات والمؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية الكبرى المتعلقة بمشروع “رؤية المملكة 2030” الذي يقوده وليّ العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الامير محمد بن سلمان، حيث اطلق قبل أيام بصفته رئيسَ مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة مشروع “نيوم”
وجهة المستقبل، بحيث إنّ منطقة “نيوم” ستركّز على تسعة قطاعات استثمارية متخصّصة تستهدف مستقبلَ الحضارات الإنسانية يتمّ دعمها بأكثر من 500 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة بواسطة المملكة والمستثمرين المحلّيين والعالميين، وهي تمتاز بموقع استراتيجي على مساحة 26 ألف و500 كيلومتر مربّع تطلّ من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كيلومتراً.
على أنّ القرار بتصعيد وتيرةِ الاهتمام السعودي بلبنان متّخَذ منذ زيارات وزير الدولة لشؤون الخليج العربي المكلّف الملف اللبناني ثامر السبهان الثلاث لبيروت والتي يُنتظر أن تليَها زيارةٌ، أو زيارات جديدة في وقتٍ ليس ببعيد، فضلاً عن تعيين المملكة سفيراً جديداً لها في بيروت هو الديبلوماسي وليد اليعقوب الذي سيتسلم مهمّاته في بيروت قريباً.
وفي زياراته ومِن خلال اتصالاته الدائمة في الرياض ومع بيروت تمكّنَ السبهان من إعداد تصَوّر عِلمي وعَملي لِما سيكون عليه مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السعودية، وينتظر أن تتبلور جانب منه قريباً في لجنة عليا لبنانية ـ سعودية مشترَكة أعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري تصَوّراً لها بالتشاور مع الجانب السعودي، واجتماعاتُها ستكون لرعاية العلاقات والمصالح بين البلدين في مختلف المجالات.
على أنّ بعض زوّار الرياض يؤكّدون أنّ القيادة السعودية وضَعت الملف اللبناني عملياً على طاولة القرار، وكان أوّل الغيث العلني قراران اتّخَذهما مجلس الوزراء السعودي في جلسته الثلثاء الماضي وأعلنَهما وزير الإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد، والأوّل يفوّض وزير التعليم – أو من ينيبه – البحثَ مع الجانب اللبناني في مذكّرة تعاونٍ عِلمي وتعليمي بين وزارة التعليم السعودية ووزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية، وتوقيعها. والثاني تفويض وزير الإسكان – أو من ينيبه – البحثَ مع الجانب اللبناني في مذكّرة تفاهم بين المملكة ولبنان في مجال الإسكان وتوقيعها.
ويكشف زوّار الرياض عن انّ القيادة السعودية ستستقبل تباعاً مروحةً واسعة من المرجعيات والقيادات الرسمية والسياسية والحزبية والدينية التي تنتمي الى مختلف ألوان الطيف السياسي والطائفي والمذهبي اللبناني، وبينها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بحيث إنّ المملكة ستؤكد من خلال هذه اللقاءات سياستَها الانفتاحية على الجميع.
ويرى هؤلاء الزوار انّ هذا الاهتمام السعودي المتوسّع بلبنان، يَدحض كلَّ التوقّعات السلبية حيال مستقبلِه، ويؤكّد صيرورته الى مزيد من الاستقرار على مختلف المستويات، بحيث علاقة المملكة ستقدّر به وفق موجبات ومتطلبات “رؤية المملكة 2030 ” التي ليست مقتصرةً فقط على الواقع الاقتصادي والمال للمملكة، وإنّما تشمل حاضرَها ومستقبلها على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والإنمائية وحتى الامنية والعسكرية، وطبيعة مستقبل علاقاتها على الصُعد العربية والاسلامية والدولية، خصوصاً أنّ “رؤية المملكة 2030” في جانبها السياسي تقوم على تعزّزِ حضور المملكة العربي والإسلامي والدولي.
ولذلك فإنّ الرياض، حسب المطّلعين أنفسِهم، ستولي موضوعَ العروبة والبعد القومي لموقفها مزيداً من الاهتمام في كلّ علاقاتها على المستوى العربي، وكذلك في المواقف والقضايا التي تتصدّى لها داخلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، انطلاقاً من قيمِ العروبة الاصيلة والروابط الأخوية التي تجمع بين العرب بكلّ طوائفهم ومذاهبهم، وكذلك انطلاقاً مِن سماحة الإسلام ووَسطيتِه واعتداله.
علماً أن بيروت ستشهد قريباً وضع حجر الأساس لـ«مركز الملك سلمان للحوار» ويجري الآن التحضير العملي له.