IMLebanon

لبنان – أثينا يا معلّم… لو تراه من زمنك !

أغرب بل أفجع ما تستشعره وانت تعود الى مقالات المعلم بعد ثلاث من سنوات الرحيل ان تصدم بان ما كتب كان لزمن رحل معه وأفل.

تلك الصور البيانية الساحرة التي كان معلمنا غسان تويني يبهر بها نهاراتنا وايامنا وأيام الجمهورية التي ما انفك حتى الرمق الاخير من قلمه وأصبعه يبشرنا بها تراها اليوم كأنها مثل ايقوناته الثمينة وارثه المكتوب المطبوع الذي يشعل حنينك المكبوت الى زمن كانت فيه الصحافة وحدها ملكة الكلمة، لأن صناعة العقول تبدأ وتنتهي بالكلمة ومن يختزن محتواها الخالد العصي على اي تبديل. لا بل اكثر في المصير الوطني والقيمي والاخلاقي ترانا، وخلافا لما كان يستهوي ويحب من نبذ المبالغات، نكاد نصرخ يا معلم نحن يتامى القامات، ويتامى فكرك وكذلك تفاؤلك الأسطوري الذي جعل “نهارك” تمضي سحابة اعوام الحرب كلها، يوما بيوم، تضخ في الناس روح قيامة لبنان وما تراجعت لحظة عن ذلك حتى حل “السلام”.

وانت تعود اليه اليوم يتملكك الخوف الأعظم من تلك الوحشة الهائلة التي ترك كما من ذاك الانحدار المرعب الذي اصاب مفهومه للبنان رَآه دوما اعظم من اثينا التاريخ نفسها.حرام علينا! اين تلك الاثينا الآن في جاهليتنا وقبليتنا ودمارنا الفكري والثقافي وحتى الإنساني؟ لتكاد تذوي خجلاً وانت تعود الى بواطن مقالاته وكتبه وافتتاحيات الاثنين التي كانت درة أسابيع اللبنانيين وذروة ألقه وسحره وكاريسماه. في ادبيات عالم غسان تويني حتى تلك الديموقراطية التي خرجت اجيالا فكرية تراك تتساءل هل كان لبنان بهذه الروعة فعلاً وأي ديموقراطية هذه انتهت اليه أحواله اليوم؟ حتى لتكاد تشعر ان عالماً كاملاً قوض وبات اثراً بعد عين في السنوات الثلاث وحدها من رحيله. “لا تبدأ عهدك يا فخامة الرئيس الذي لا نعرف اسمه بعد، بالسأم من الديموقراطية اللبنانية التي جعلت مخاض انتخابك معذبا للقلب والعقل كذلك… هو دستور الطائف، الذي ظل طائفا ولم يبلغ شاطئ الأمان الدستوري… حسبنا انه الان افضل تطبيقا وأكرم، من يوم قرأ اللبنانيون “مانشيت” في جريدة عربية كبرى تقول ان الشعب اللبناني بأكثريته “الساحقة” يفضّل فلانا من الناس، فهرول النواب في اليوم التالي لانتخاب هذا “الفلان “رئيساً”.

كتب المعلم هذا في ١٩ تشرين الثاني ٢٠٠٧ قبل ايام من فراغ رئاسي أيضاً. ولكن كيف كان لبنان في فكره يومذاك وأين هو لبنان من أدبياته اليوم؟

يقول: “لا تزال ديموقراطيتنا افضل من تلك التي “تنعم” بها بعض الدول العربية الشقيقة (وهي كثيرة “من غير شر”!!!) والتي تفسح دساتيرها للرئيس الحاكم، كيفما كان تحكيمه، وتحكمه في ان يستمر في الحكم الى ان يبلغ ابنه السن، او مرتبة القوة التي تمكنه من خلافة ابيه…”. ويضيف مخاطباً ذاك المجهول المفترض انه آتٍ رئيساً ًبعد ايام” تصور يا فخامة الرئيس اين كنا نكون، في “عصفوريتنا الدستورية “لو كان هذا حال نظامنا الديموقراطي”.

أتراه كان يكتفي بضحكته الساخرة الساحرة اليوم وهو يرانا نسحب النبؤة من افتتاحياته حيال ما اصابنا وما حل بدنيا العرب، ام لعله كان بكى مر البكاء لانه قرأ الزمن الآتي فكان اشد مرورة حتى مما تخيل؟

لبنان الديموقراطي ذاك في عقله وقيمه اسقط عليه مفاهيمه الفلسفية لا “الوضعية” فحسب. يخاطب الرئيس ويثقفه فيقول: “تذكر، وانت لا بد من قراء التاريخ، ان “بيريكليس” باني العصر الذهبي لأثينا ام الديموقراطيات الأوروبية، خلعه الشعب بحجة (نقول حجة وكان احرى ان نقول ذريعة) انه لم يتمكن من حماية الجمهورية من مرض الطاعون…”.

يضيف ناقلا عن المؤرخ توكيديس وصفه لبيريكليس بقوله “انه اذا وجد الشعب محبطا لغير ما سبب أعاد اليه بكلام قليل العافية والثقة والإيمان. أما اذا وجده كثير الزهو، مبالغاً، أعاده بكلام قليل كذلك الى الشعور بالمسؤولية والعزم”! يقول للرئيس “الذي لا نعرف هويته بعد”… “لا اجد مثالا افضل في التاريخ أقدمه لك تحتذيه (…) وانت كذلك مطلوب منك، خصوصاً انك جئت كمرشح “الوفاق”، ان تطرح الاحقاد (أحقاد الآخرين وأحقادك اذا كانت لك احقاد!) وحتى التحفظات جانباً وانت تقبل على حكم لبنان – وتقسم وحدك على الحفاظ على دستوره وحماية سيادته – وان تتبنى شعار الصلحي الثاني، “تقي الدين”، يوم قال انه يريد ان يرئس “حكومة كل لبنان “لان في ذلك ضمان بقاء

الاستقلال”

هل تراه كان ليكتب اليوم “لبنان كأثينا حلم جميل وعظيم، وهو الأعظم لان اثينا كانت حضارة واحدة وعنصرا واحدا”؟…