يَعتبر مصرف لبنان أنّ خططَ ترشيد الدعم التي تقترحها الحكومة بعيدة جدّاً من أي خفض فعلي لفاتورة الدعم السنوية، وانها اقتراحات غير جديّة لا تؤدي سوى الى هدر مزيدٍ من الوقت ومزيد من احتياطي العملات الاجنبية، في حين انّ الوضع على قاب قوسين أو أدنى من انفجار اجتماعي وشيك.
يرفض مصرف لبنان أن تتعامل معه الحكومة على قاعدة « take it or leave it « في ما يتعلّق بتمويل نفقات الدولة على سعر الصرف المدعوم ممّا تبقّى من احتياطي عملات أجنبية يحاول البنك المركزي منفرداً ترشيد استهلاكها من اجل إطالة أمد الدعم الى أطول فترة ممكنة، وضمان ديمومة عمل المَرافِق العامة وتوفير الحاجات الاساسية لتيسير الامور الحياتية للمواطنين.
وبما انّ قطاع الكهرباء يعدّ من الامور الحيوية التي لا يمكن التفريط بها، أكد مصرف لبنان أنه يتعاون إيجاباً في هذا الملف، وهو على استعداد لتأمين السيولة المطلوبة بالعملات الاجنبية لتمديد عقد تشغيل وصيانة معملي دير عمار والزهراني وتفادي غَرق البلاد بالعتمة، إلّا انه يجد نفسه الجهة الوحيدة الحريصة على ما تبقى من احتياطي عملات أجنبية وعلى ضرورة ترشيد الدعم، في حين تمارس كل الجهات المستفيدة من الدعم، إن كانت الوزارات او المؤسسات الادارية او الشركات والتجار، سياسة الضغط من خلال تَخييره بين الظلمة او الدعم وبين انقطاع المواد والسلع أو الدعم، غير آبهة بترشيد حاجاتها من الدولارات وتقليصها، مع العلم انّ الوضع المالي والنقدي لم يعد يحتمل أي تقاعس في ادارة الأزمة.
مصادر في مصرف لبنان أكدت لـ»الجمهورية» انه مع انعدام القدرة على تعزيز احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في مقابل ارتفاع حاجات الإنفاق، يحاول المجلس المركزي في مصرف لبنان التعاون بشكل إيجابي مع الحكومة والفرقاء السياسيين من أجل تجنيب البلاد انفجاراً اجتماعياً مع الحفاظ في الوقت نفسه على ما تبقّى من دولارات لدعم أي خطة اقتصادية ستضعها الحكومة المقبلة في حال تشكيلها.
وأشارت المصادر الى انه في حال التوافق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ، فإنّ الحد الأقصى للدعم المالي السنوي سيبلغ حوالى ملياري دولار في حين «اننا اليوم نقوم بإنفاق 6 مليارات دولار سنوياً على الدعم من دون أي خطة إصلاحية، ما يؤدي الى هدرها»، مشددة على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تضع خطة لاستغلال تلك الاموال المتبقية في إطار خطة اقتصادية ومالية واضحة.
وحول سيناريوهات ترشيد الدعم التي وضعتها الحكومة، اعتبرت مصادر البنك المركزي انه من المفترض وضع خطة واحدة للدعم تتناسَب والوضع المالي للبلاد، وتقطع الطريق امام عمليات التهريب والتخزين والاحتكار القائمة، وتفيد بشكل أساسي الأسَر الاكثر فقراً، وليس خطط دعم «شعبوية».
وأسِفت لأنّ الوقت يمرّ من دون التوصل بعد الى أي قرار او خطة في شأن ترشيد الدعم، «بل كلّ ما يُعرض علينا هو سيناريوهات بعيدة جدّاً من أي ترشيد فعليّ وجدّي للدعم»، موضِحة انّ تلك السيناريوهات تعتمد على تحديد الكميات التي يتم دعمها واقتراحات، على سبيل المثال، بخفض قيمة دعم بعض السلع بـ100 مليون دولار في مقابل زيادة حجم دعم سلع أخرى بالقيمة نفسها.
وسألت: هل اقتراح خفض فاتورة الدعم السنوية البالغة 6 مليارات دولار بمقدار 300 مليون دولار، يُعدّ ترشيداً للدعم؟
بيان مصرف لبنان
وبالعودة الى أزمة الكهرباء، أصدر مصرف لبنان امس بياناً أكد فيه حرصه «على المصلحة العامة، وعلى استمرارية عمل المرافق العامة وفي مقدمتها كهرباء لبنان، وتأمين السلع الاساسية»، مُذكّراً بمراسلاته خلال الأشهر الستة السابقة مع وزارة المالية، المتعلقة بالوضع المالي العام لمصرف لبنان وضرورة ترشيد سياسة الدعم.
وقال: بما أنه، ولاستمرار قيام مصرف لبنان بمهامه في هذه الأزمة الحادة، والمَنصوص عنها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف المتعلقة بالمحافظة على النقد لتأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم، وبما أنّ مصرف لبنان يستخدم موجوداته المحدودة بالعملات الاجنبية بناء على مسؤوليته الوطنية،
وعطفاً على طلبات شركة كهرباء لبنان والوزارات المعنية بالدعم، وطلبات المستوردين للمواد المدعومة، فإنّ مصرف لبنان كان قد أرسل كتاباً الى وزير المالية في 12 شباط 2021 يفيد فيه الآتي بيانه:
– ضرورة اعتماد خطّة فورية لترشيد الدعم مع تحديد الأولويات ومصادر تمويلها الأمر الذي يدخل في صُلب مهام الحكومة، وإبلاغ مصرف لبنان بها، علماً أنّ أي تأخير في ذلك له تداعيات سلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
– ضرورة تحديد الاجراءات التي ستتخذها الحكومة لتأمين العملات الأجنبية اللازمة للمصاريف والمستوردات الأساسية.
– يقترح مصرف لبنان على وزير المالية، بالتعاون مع وزير الطاقة ومدير عام شركة الكهرباء، وضع دراسة شاملة على كل العقود الموقعة من قبل شركة كهرباء لبنان تشرح فيها طريقة اختيار الشركات المتعاقدة والتأكد من عدم وجود وسائل بديلة لتخفيض التكاليف، وهذا ما كان قد اقترحه مصرف لبنان مراراً خلال اجتماعات الاشهر الماضية مع معالي وزير الطاقة وشركة الكهرباء، وعلى أن تكون هذه الدراسة علنية ومتوفرة للعموم لِفَسح أوسع مجال للمشاركة في هذه المسؤوليّة الوطنية.
– ضرورة أن يكون هناك موافقة خطية على كل الفواتيرالمعروضة للدفع من شركة كهرباء لبنان وكافة الوزارات المعنية والمستوردين المعتمدين، من قبل مركزية واحدة تقررها الحكومة. على أن تحدّد الحكومة الأولويات، وتُؤكِّد مع المركزية على احترام آلية الدفع المتفق عليها مع مصرف لبنان، وتحمّل مسؤولية كلفة الدعم بالعملات الاجنبية وأي هدر أو سوء استعمال ينتج عنها.
وقد طلب مصرف لبنان من وزير المالية الإجابة بالسرعة الممكنة نظراً لحساسية الوضع الحالي وحفاظاً على استمرارية عمل المرافق الاساسية كافة».
أزمة الكهرباء
تجدر الاشارة الى انّ الشركة الأميركية primesouth المُشغّلة لمعملي الزهراني ودير عمار يتنهي عقدها يوم الاثنين 15 شباط 2021، وتهدّد بالانسحاب وتسليم معملي إنتاج الكهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان التي طالبت بدورها بتمديد العمل للشركة، وحصلت على موافقة وزارتي المالية والطاقة. لكنّ الشركة الاميركية رفضت التمديد قبل دفع مستحقاتها السابقة البالغة قيمتها 45 مليون دولار، ومستحقاتها الجديدة للعام المقبل والبالغة 60 مليون دولار. وقد عُقدت اجتماعات عدّة في هذا الاطار بين وزير الطاقة ريمون غجر ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ومسؤولين في مصرف لبنان للتوصّل الى صيغة حول كيفية تأمين مستحقات الشركة والاتفاق معها قبل يوم الاثنين المقبل وتفادي غرق البلاد في العتمة، علماً انّ الطاقة الكهربائية المنتجة من قبل معملي دير عمار والزهراني تشكل حوالى 10 ساعات من التغذية الكهربائية يومياً.
ووفقاً لِما يتم التداول به فإنّ الكرة اليوم في ملعب مصرف لبنان الذي تنتظر وزارة الطاقة جواباً منه حول إمكانية تأمين المبالغ المطلوبة بالدولار.