يتساءل اللبنانيون اذا كان التفجيران الانتحاريان اللذان نفّذهما اثنان من مواطنيهم في جبل محسن (طرابلس) يوم السبت الماضي مؤشراً الى أن السنة الجديدة ستكون سنة عودة التفجيرات الانتحارية، وكذلك سنة تحوُّل لبنان ساحة مواجهة عسكرية فعلية مع “داعش” و”النصرة” من شأنها ادخال شعوبه أتون الفتنة والحرب، لكنهم لا يتلقّون جواباً عن تساؤلهم. والأجوبة المطمئنة التي يسمعونها يومياً من حكومتهم العاجزة عن الحكم، ومن دولتهم غير المكتملة شرعية مؤسساتها الدستورية تزيد قلقهم بدلاً من أن تلغيه. فتاريخ هؤلاء كلهم البعيد والقريب لا يوحي الثقة ولا القدرة على الترفُّع عن الخاص، وعلى التضحية في سبيل العام. أما المواقف المتعلقة بهذا الأمر التي يسمعونها من دول المنطقة عربية وغير عربية فلا توحي الاطمئنان على رغم أنها تؤكد علانية حرصها على السلم في لبنان وعلى تعزيزه واستمراره، وعلى عدم التدخُّل في الشؤون اللبنانية. ذلك أنها كلها “غاطسة حتى أذنيها” فيها كما في شؤون دول عربية أخرى. والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الدول الكبرى و”الدولة الأعظم”. علماً أن بعضها يصارح اللبنانيين أن بلادهم ليست على “راداراته”، وأنه مع السلم والاستقرار فيها ريثما تمرّ زوبعة الحروب والفتن، وأن ذلك مهمة شعوبه، وأنه لن يفعل شيئاً لمنعهم من الانتحار اذاً دفعتهم غرائزهم ومصالح حلفائهم الاقليميين اليه.
هل من معلومات خارجية أو تحليلات عن الأمن في لبنان في سنة 2015؟
يجيب عن ذلك متابع أميركي بدقة لأوضاع لبنان والمنطقة وسياسة بلاده حيالهما بالقول إنه يعتقد أن التنظيمات المتطرفة حتى العنف تمّ احتواؤها في العراق تنفيذاً لسياسة واشنطن الى أن تقتنع بضرورة تعديلها بالاشتراك عملياً في الحرب هناك بكل قواتها وأسلحتها بما في ذلك البرّية منها. ويبدو متأكداً أن الجيش العراقي يحتاج الى أشهر وربما الى سنوات كي يصبح جاهزاً للبدء في استعادة الأراضي التي احتلها “داعش”، وأن قوات “البيشمركة” الكردية النظامية هي وحدها النشطة والفاعلة على هذا الصعيد، لكنها تضم الأراضي المحرَّرة الى منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق. لكن ما يقلق هذا المتابع هو أن يغيِّر “داعش” استراتيجيته وخصوصاً بعدما أصبح في موقع الدفاع في العراق، من دون أن يعني ذلك أنه لا يسيطر بقوة على غالبية المناطق التي يحتلها. وقد يكون عنوان التغيير فتح جبهة جديدة. ومن مراقبة الأوضاع في المربَّع العراقي – السوري – الأردني – اللبناني يبدو أن لبنان وتحديداً المنطقة الحدودية بينه وبين سوريا ستكون الجبهة الجديدة. وما يدفع “داعش” الى ذلك في رأيه هو اقتناعه بأن قادته قرروا محاربة “حزب الله” الفاعل جداً ضده في سوريا مباشرة من أجل اجباره على العودة الى بلاده. والحرب المباشرة لا يمكن أن تكون الا في لبنان. ويبدو أن قادة “الحزب” يشعرون بهذا الأمر ولذلك بدأوا يتحوُّلون الى الدفاع في لبنان. ومن مظاهر ذلك الحوار السياسي بينه وبين “المستقبل”.
هل هذه معلومات أو تحليلات؟
هي تحليلات مبنية على حقائق، يجيب المتابع الأميركي نفسه. الأولى هي احتواء “داعش” في العراق وتحوّله الى الدفاع، وعدم توقُّع جهوزية الجيش العراقي لمحاربته جدياً قبل أشهر أو بالأحرى سنوات. والثانية، أن “داعش” و”النصرة” وسائر المتطرفين جداً لم يتأذوا كثيراً أو فعلياً في سوريا حتى الآن على الأقل. والثالثة، أن وحدات من هؤلاء شوهدت تنتقل الى منطقة الحدود الشرقية اللبنانية. وليس واضحاً اذا كان الهدف الضغط على “حزب الله” أو دخول الأراضي اللبنانية بأعداد كبيرة. و”الحزب” اتخذ خطوات دفاعية مهمة وقوية خشية أن يكونوا قرروا الدخول. الاّ أن ذلك كله، يلفت المتابع نفسه، يتوقف على اسرائيل وتالياً على المفاوضات النووية الايرانية – الأميركية – الدولية. فهي تفضّل حتى الآن “حزب الله” على حدودها مع لبنان. لكن اذا انتهت المفاوضات الى اتفاق نووي خطر عليها في نظرها، واذا رأت أن تنفيذها ضربة عسكرية لايران صار أمراً وارداً أو محتملاً، فانها ستضطر الى تعطيل “الحزب” بحرب بينه وبين “داعش” و”النصرة” وغيرهما داخل لبنان. ويُستنتج من ذلك أن على اللبنانيين انتظار انتهاء انتخابات اسرائيل العامة في 17 آذار المقبل وانتهاء المفاوضات النووية. وفي حال اتخاذ قرار الحرب في لبنان ومع ايران فأن اسرائيل ستعتمد على دعم الكونغرس الموالي لها دائماً.