… وما زال لبنان تحت تأثير عطلة الفطر السعيد، وهذه العطلة ستمتد، في السياسة وليس في الإدارة، إلى مطلع الأسبوع المقبل. واعتباراً من الإثنين الثالث من تموز، يُنتظر أن تنطلق ورشتان تنفيذية وتشريعية في آن واحد:
الورشة التشريعية تنتظر إنجاز الموازنة العامة في لجنة المال والموازنة، ليُصار بالإمكان طرحها على الجلسة العامة، واللغم الأكبر سيكون سلسلة الرتب والرواتب التي تُطرح في شأنها المعطيات التالية:
لماذا توقيت السلسلة اليوم؟
وهل مسألة تمويلها التي كانت عقدة العقد بالأمس أصبحت اليوم متوافرة؟
إذا بقي الإصرار على إقرار السلسلة دون الموازنة، وهل يُشكِّل اللغم الذي يطيح إصدار الموازنة بقانون والإستمرار في الصرف على القاعدة الإثنتي عشرية؟
الجواب ليس قبل منتصف تموز المقبل، بعد أن يكون النواب قد عَلِموا أنَّ أصواتاً بدأت ترتفع من هيئات عادوا من إجازاتهم ومعظمها خارج لبنان. الهيئات الإقتصادية تتحدث عن أنَّ الإقتصاد اللبناني في حالته الراهنة لا يستوعب سلسلة الرتب والرواتب، ولا يتحمَّل أعباءها وأنَّ الأنسب هو طيَّها في الوقت الراهن إلى حين تحسّن الأوضاع.
مثل هذا الكلام سيكون من شأنه أن يُطلق العنان للنقابات لتعترض على موقف الهيئات الإقتصادية، فهل نكون في هذه الحالة أمام كباش بين أرباب العمل والعمال في عزِّ الصيف؟
ومن الورشة على مستوى السلطة التشريعية، إلى الورشة على مستوى السلطة التنفيذية. الحكومة مدعوة اعتباراً من جلستها العادية المقبلة في الخامس من الشهر المقبل إلى مناقشة بنود دسمة في جدول أعمالها:
من تشكيلات تأخَّرت، إلى تعيينات في المراكز الشاغرة، وما أكثرها، إلى اقتراحات ومشاريع قوانين تتعلق بالكثير من القضايا التي تهمُّ الناس.
لكن بين الورشتين التشريعية والتنفيذية، هناك ما يقضُّ مضاجع المسؤولين اللبنانيين من التصنيفات التي بدأت تُعطى للبنان على المستويين السياسي والنقدي. أحدث ما صدر هو لوكالة فيتش الدولية للتصنيف الإئتماني، وهي الوكالة التي تتمتَّع بصدقية عالية، وقد اعتبرت أنَّ الإنتخابات الرئاسية التي وصفتها بالتقدم السياسي، عززت ثقة المغتربين اللبنانيين في اقتصاد البلاد.
لكن ما لفتت إليه الوكالة والذي يُعتبر مهماً وخطيراً في آن، هو ربط ازدياد الودائع بإقراض الدولة، فقالت:
إنَّ نمو الودائع بلغ 8.2 بالمئة على أساس سنوي في نيسان 2017، بما يكفي لتمويل الإقتراض الحكومي الذي يعتمد على الودائع وتحويلات العاملين في الخارج لإدخال هذه الودائع والتحويلات في النظام المالي.
يعني هذا الأمر بكل بساطة أنَّ لا تمويل للدولة من خارج ودائع اللبنانيين وتحويلاتهم، وهذا وجه الخطر في حد ذاته لأنَّ ودائع اللبنانيين يجري تسييلها في موازنة معظم أرقامها ذاهبة في مصاريف هالكة وليست استثمارية.
يُضاف إلى ذلك أنَّ الدين العام ارتفع 8 في المئة هذه السنة.
وهكذا بين ارتفاع الدين وتسييل الودائع وغياب الإستثمارات، يبدو أنَّ البلد قادمٌ على خريف صعب، إلا إذا كان لدى الحكم والحكومة ما يشكِّل صورة مغايرة عن هذا الواقع.