IMLebanon

لبنان بين «السلّة» و«الزلّة»

يبدو من المناخات السياسية المرافقة للمشاورات الداخلية والخارجية التي يجريها الرئيس سعد الحريري في شأن الاستحقاق الرئاسي، أنّ الأجواء الإيجابية المرافقة لهذه المشاورات دخلت في حال انكماش، لكنّها مشفوعة بفترة سماح، البعضُ يحدّدها بأسبوعين والبعض الآخر يؤكّد أنّها ستستمر حتى 31 تشرين الجاري موعد جلسة الانتخابات الرئاسية.

يقول معنيّون بالاستحقاق الرئاسي إنّ نتائج حركة الحريري ستتبلوَر خلال هذه الفترة، وهي حركة لا يزال كثيرون يطرحون علامات استفهام حول جدواها، خصوصاً أنّ أيّ معطى إقليمي أو دولي، سلبي أم إيجابي، لم يتبلور في شأنها بعد، ولكن البعض يقول إنّ هذا المعطى سيتبلور قبل انتهاء مشاورات الحريري أو بعدها.

ويعتقد هؤلاء انّ عناصر حركة الحريري «ما تزال ناقصة كثيراً» حتى يظهر مدى جدّيتها، وأبرز هذه العناصر «إشهار الموقف» مثلما فعلَ عند تبنّيه ترشيح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، حتى يبنيَ الجميع في ضوئه على الشيء مقتضاه، ولكنّ فريقاً من السياسيين يؤكّد انّ الرجل لن يغامر في إعلان هذا الموقف إذا لم يلمس انّه سيؤول الى النفاذ، بمعنى انّه لن يبادر الى اعلان تبنّي ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ما لم يضمن حصولَ قبول جماعي أو اكثري لمبادرته في هذا الاتّجاه.

ولكنّ إشهار الموقف، في رأي بعض الراسخين في عِلم الاستحقاقات الرئاسية، ربّما يكون ضرورياً، لأنّ عدمه مثلما هو حاصل الآن، يَدفع «الفريق الآخر» الى التصرّف على اساس انّه غير معنيّ بحراك الحريري، وينظر الى هذا الحراك على انّه «قذفٌ لكرة المسؤولية الى ملعبه من دون معرفة الموقف الواضح للقاذف والذي يؤكّد مدى جدّيته وهدفه من الرمي».

على انّ عون يدرك هذه الحقائق، ولذلك يتصرّف في مفاوضاته مع الحريري بهدوء، وقد حدّد مهلة زمنية لأسبوعين حتى يحسم زعيم تيار «المستقبل» الموقف النهائي من ترشيحه قبولاً أو عدولاً. علماً أن لا معطى سياسياً حقيقياً تبَلور حتى الآن كي يتصرّف الجميع على اساسه. على عكس ما كان عليه الوضع عند ترشيح الحريري لفرنجية.

لكن حسب بعض النواب «المستقبليين» فإنّ الحريري يؤكد لكتلته، وكذلك للآخرين، انّ لديه مشاورات داخلية وخارجية يريد ان يستكملها، وأنّه منفتح على جميع القوى السياسية، وأن لا لزوم الآن لكلام عن تأييد ترشيح عون من عدمه، لأنّ المفاوضات مستمرة مع الرابية ولم تنتهِ بعد، وأنّ ايّ قرار نهائي سيتّخذ في شأن الاستحقاق الرئاسي، سواء إزاء عون أو غيره سيُعرَض على المسؤولين السعوديين قبل إعلانه، إذ إنّ الحريري سيزور المملكة العربية السعودية مجدداً قبل ان يتّخذ هذا القرارالنهائي.

وفي رأي هؤلاء النواب «المستقبليين» أنّ حركة الحريري الرئاسية ستأخذ مداها حتى موعد جلسة الانتخابات في 31 الجاري، فإمّا تنتهي بالاتفاق على انتخاب رئيس وإمّا تبدأ مرحلة جديدة من البحث والتشاور على امل حصول تفاهمات تُخرج الاستحقاق الرئاسي من دوّامة الخلاف والانتظار.

على انّ خصوم الحريري، قبل مؤيّديه، يؤكدون انّ الرجل جدّي في المسعى الذي يقوم به في شأن الاستحقاق الرئاسي، سواء في اتجاه عون أو غيره، فهو في الوقت الذي يحتفظ بمبادرته لترشيح فرنجية، يخوض مفاوضات مع عون عنوانُها إمكان تبنّي ترشيح الاخير إذا لقيَ قبولا لدى الجميع، محاولاً ان تكون عودته الى رئاسة الحكومة متوَّجة باتفاق على انتخاب رئيس ينهي الشغور الرئاسي الذي تجاوز السنتين.

ولا يناقش خصوم الحريري في أمر ترؤسِه الحكومة المقبلة، بل يعتبرونه محسوماً ويسلّمون بأنّ الرجل هو الأنسب والأصلح لهذا الموقع في السلطة، لاعتبارات كثيرة، أبرزُها الاعتدال الذي يتميّز به وتحتاجه البلاد للعبور من الأزمة، ولا يتوقّفون كثيراً عند التباين القائم بينه وبين الرياض، ويعتبرون انّ البدائل للحريري ربّما لا تليق بالمرحلة والواقع السائد في البلد راهناً.

لكنّ هؤلاء الخصوم يؤكّدون في المقابل أنّ المطلوب تبلوُر إرادة اقليمية ودولية واضحة تواكب حركة الحريري حتى يُكتب لها النجاح، فمِثلُ هذه الارادة، إذا توافرت، ستعني أنّ أصحابها قرروا تطويرَ حرصِهم المعلن على الاستقرار اللبناني الى تحييد أزمة لبنان عن ازمات المنطقة بحيث يتوّجون هذا الحرص بالبدء بحلّ هذه الأزمة بتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، كونهم يقرّون بأنّ الأزمة اللبنانية هي الأقلّ تعقيداً بين كلّ أزمات المنطقة.

وفي اعتقاد الخصوم أنفسِهم أنّ الرياض قد لا تقف حجر عثرةٍ أمام السعي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وأنّ مِن مصلحتها ضمان حصّتِها في التسوية اللبنانية، فأيّاً يكن خلافها أو تباينُها مع الحريري، فإنّ الرجل في النهاية وبما يَرمز ما يزال حريصاً على العلاقة معها، سواء على مستوى مصالحه الخاصة في المملكة أو على مستوى رؤيته لمصلحة لبنان في علاقته مع الرياض خصوصاً، ومع بقية الدول العربية عموماً.

وما يؤكّد حرصَ الحريري على هذه العلاقة هو توجُّهه الأكيد لإطلاع القيادة السعودية على أيّ قرار – خيار سيتّخذه في ضوء مشاوراته الراهنة قبل إشهاره للجميع.

ولذلك، يقول المعنيون بالاستحقاق الرئاسي إنّ حركة الحريري ينبغي ان تصبّ ليس في مصلحة تبنّي ترشيح معيّن فقط، وإنّما في إطار التفاهمات الوطنية، المطلوبة في شأن الرئيس العتيد والحكومة رئاسةً ووزارات وقانون انتخاب، وهذه التفاهمات يسمّيها البعض «سلّة الحلول المتكاملة»، فإذا لم تحصل هذه التفاهمات ـ السلّة، قد تذهب البلد الى زَلّة خطيرة يستمرّ معها في الدوران لأشهرٍ إضافية في حلقة الشغور الرئاسي والتعطيل المؤسساتي.