IMLebanon

لبنان بين «عاصفة» و»حواريْن»

«بيّضها» مطلع العام الجديد بعاصفة ثلجيّة كلّلت لبنان بالجنرال الأبيض، بصرف النّظر عن «موضة» إطلاق الأسماء على ما يعرف اصطلاحاً بـ «المنخفض الجويّ» لأنّ الأعاصير هي التي تحظى بالأسماء ـ على حدّ علمنا ـ فيما احتلّت النكات على اختلاف لفظ اسم العاصفة المتداول بين اللبنانيين، الذين انشغلوا بالأمس بمتابعة فصل مأساوي مع وفاة طفلة سوريّة من لاجئي البقاع الأوسط بفعل الصقيع، وبمتابعة فصل آخر من فصول الملهاة النيابيّة بتطيير الجلسة السابعة عشرة لانتخاب رئيس للجمهوريّة!!

والعاصفة الثلجية التي ضربت مخيمات اللاجئين السوريين في الشتات اللبناني، خرجت بالأمس مأساوية ومريرة الصورة، الأمر الذي أوجد تعاطفاً لبنانياً عاماً مع وضع هؤلاء في ظلّ الصقيع والرياح العاتية، فكان الثلج بساطهم وسقفهم في مأساة إنسانيّة قيل إن العالم لم يشهد مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية، وهنا لا بدّ لنا من أن نؤكّد أن هذه المأساة لا تتحمّل مسؤوليتها الدولة اللبنانيّة، بل منظمة الأمم المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً الأكبر والأغنى فيها، فمن المعيب ترك لبنان هذا الوطن الصغير الذي ينوء بحمل شعبه وحمل اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين ليتحمّل كارثة لجوء ما يقارب المليوني لاجئ سوري من دون أن تمدّ الدول العربية يدها بجدية لتخفيف هذا العبء عنه، وهذا أمرٌ يجب أن تسعى الحكومة القائمة على فتح ملفّه الثقيل مع دول العالم العربي للتخفيف من العبء اللبناني والمأساة السورية المروّعة!!

والمشهد اللبناني المفتوح منذ العام الماضي على «الحواريْن» الدائريْن بين الطرفيْن المسلميْن والمسيحييّْن في ظل الوقت العربيٍّ والإقليميٍّ المستقطع من عمر اللبنانيين، فيما قواعد رباعي تتأرجح بين «التخوّف» من تنازلاتٍ جديدة، وبين مقولة «مين جرّب المجرّب»، فيما يبدو التوافق شبه جامع بأنّ الحوار «مرحليّ» اقتضته ظروف الفراغ السياسي اللبناني، وأنّه وإن كان حاجة ملحّة، فإنّ «خيبات أمل» اللبنانيين المتكررة من طاولة الحوار الأولى في آذار العام 2006 وكلّ الانقلابات التي تلت على كلّ الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها عبر الحوار، ومع هذا فاللبنانيّون موقنون أن لا مفرّ من الحوار، وأن سنوات الحرب الأهليّة انتهت بعد جولات العنف الطويلة بحوارٍ أفضى تحت الضغوط الدوليّة إلى «اتفاق الطائف».

وعلى مستوى الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله لا بدّ من التوقّف مليّاً أمام سدّ حزب الله الأبواب في وجه الحديث عن «فلتان» سلاح سرايا المقاومة في بيروت، فيما تجاهل الجميع الكلام الأخطر الذي نُشر يوم الثلاثاء الماضي في صحيفة النهار الكويتية عن مصدر مقرّب من حزب الله، وهذا الكلام هو الأخطر منذ إعلان حزب الله إنشاء سرايا المقاومة باعتبارها جناح الطوائف الأخرى لمقاتلة العدوّ الإسرائيلي، وإذا بعمل هذه السرايا التي تضم مجموعات «الزعران والشبيحة» ـ وبحسب المصدر المقرّب من حزب الله ـ «المهم في سرايا المقاومة هو أن عملها يندرج في إطار وظيفتين أساسيتين، الأولى هي استعادة الشارع اللبناني، السني على وجه التحديد إلى جوهره الأساس، العروبي الناصري كما عهدناه في صيدا وطرابلس وبيروت، فتيار المستقبل أخذ هذا الشارع باتجاه مختلف ومعاكس (…)»!!

هنا لا بدّ لنا من التساؤل وبإزاء هذا الكلام:»لماذا يتحاور إذن حزب الله مع تيار المستقبل؟»، والخطورة الحقيقيّة في هذا الكلام المغلّف بلفظيْ «العروبي والناصري» وبعد موت الاثنتين «العروبة» و»الناصريّة»، بأنّ التغليف الخادع لا يعني إلا أن مهمّة سلاح سرايا المقاومة هو احتلال بيروت والشارع السُنّي بالنيابة عن الاحتلال السوري السابق، وأن الاستخدام الاستراتيجي لمصطلحي «العروبة» و»الناصريّة» ما هو إلا تمويهٌ ممنهج وتقيّة تُخفي خلفها فرض «المشروع الإيراني» على الطائفة السُنيّة، والمطلوب من الفريق الذي يمثّل «الطائفة السُنيّة» أن يحمل معه هذا الكلام الخطير إلى الجلسة المقبلة بين المستقبل وحزب الله ووضعه على الطاولة لجديّة خطورته في استفزاز واستنفار الشارع السُنّي في وجه هذا الحوار، الذي تُنهيه هكذا تصريحات قبل أن يبدأ!!