لا يختلف المشهد اللبناني كثيراً عن مشهد الكرة المتحرجة من قدم إلى قدم على أرض الملاعب الروسيّة في مونديال روسيا 2018، لبنان هذه الكرة «المسكينة» التي تُركل من دون هوادة ومن دون أن يتسنّى له أن يأخذ نفس حتى، في كل دول العالم شغلة الحكومات والأحزاب التي تشكّلها خدمة الشعب وتقديم الخدمات الفضلى له، إلا في لبنان الأهداف السياسيّة تسجّل في مرمى الشعب اللبناني غايتها «تناتش» الحصص و»النّقار للنّقار»!
بدون شكّ، وضع جماهير المشجعين على الملاعب الروسيّة أفضل بملايين السنين الضوئيّة على الأقل اللعبة تستهويهم، جماهير الشعب اللبناني وبفعل خيباتها المتلاحقة استقالت من دورها حتى بالمطالبة بأبسط حقوقها، ثمّة حال لامبالاة تعتري الشعب اللبناني الذي أدار ظهره لواقعه تستحقّ الدّراسة من قبل أهل الاختصاص، ملّ اللبنانيّون حالات التشنّج والترقّب والانتظار، فالكرة التي تتقاذفها الأقدام في قلب ملعب ما لها قوانين تحكمها، ولها حكّام يطبقّونها، في لبنان حتى الذي يعتبر نفسها حكماً هو طرف في لعبة لا قوانين لها!
يُدير اللبنانيون وجوههم للمونديال الروسي، ويديرون ظهورهم لمنحى التعقيد في تشكيل حكومة تقوم على مصالحهم، قد يكونون «تمسحوا» واعتادوا العرقلة والتعطيل الذي يرافق تشكيل الحكومات، أحياناً يستفقدون للوصاية السوريّة التي كانت تشكّل الحكومات بـ «أمر بوط الاحتلال»، منذ خروج المحتلّ صار تشكيل أي حكومة في لبنان أزمة وهدر الوقت لا يُحاسب عليه أحد، فلعيون هذا وذاك تتعطّل مصالح اللبنانيين أشهراً، سابقاً كان الخوف والقلق يسودان الموقف، ربما إحساس اللبنانيين بالخطوط الحمر التي تفرض خيمة حماية دولية أمنيّة هشّة للبلد تجعلهم أكثر استرخاءً، هل أصبحنا شعباً لا يستفزّنا حتى مصيرنا ومصير بلدنا ومستقبل أبنائنا فيه؟!
حتى الملاعب الروسيّة التي تتصدّر المشهد العالمي أفضل حالاً من ملعبنا لبنان، ملاعب روسيا خضراء أنيقة نظيفة «مهفهفة»، نحن غرقى في جرائمنا ضدّ البيئة، شاطئنا ملوث نفاياتنا فيه وصلت إلى شواطىء الدول القريبة، مطامر نفاياتنا قتلت بحرنا وموانئنا وقتلت حتى النَّفس الذي نتنفسه، تراخيص وزاراتنا ذبحت»لبنان الأخضر» الذي كان، من شاهد بالأمس تقريراً إخبارياً عن جريمة بيئيّة دمرت جبال قرى عدّة من قرى جزّين من لبعا وجوارها والحديث عن بركة مواد كيميائيّة سامة والخراب الذي يمتدّ كيلومترات ويلوث الماء والهواء والتراب والمزروعات، وأنّ المرتكب ذو «غطاء سياسي رفيع» ـ كما أشار التقرير ـ يُدرك أنّنا كشعب متورّطون كلّنا في صناعة هذا المشهد اللبناني العقيم!
عمليّاً، لن يأتي شعب آخر لإنقاذنا من أنفسنا، ولن يأتينا سيّاسيّون من الفضاء الخارجي ليغيّروا تكرّر مشهد تشكيل الحكومات، وبرأينا «كلّ الحكومات تشبه بعضها»، وأنّنا كـ «شعوب لبنانيّة» لا نريد ولا يهمّنا ولا يعنينا تغيير هذا الواقع لأننا استقلنا من دورنا «كشعب»، إذا أردنا أن نجمّل واقع أنّ لبنان «كرة بين الأقدام» بدافع رومانسيتنا ونوستالجيتنا اللبنانيّة، نستطيع إسقاط «طوق الياسمين» لنزار قباني، حالنا يشبه حاله «ولمحت طوق الياسمين/ في الأرض.. مكتوم الأنين/ كالجثة البيضاء/ تدفعه جموع الراقصين»، سواء كان لبنان «كرة» أو «طوق ياسمين» أو «جثّة بيضاء» فهذا يعني أمراً واحداً فقط أنّنا «جثّة» وأنّ مصيرنا بين «أقدام» في كلّ الأحوال تتقاذفنا!