Site icon IMLebanon

لبنان بين عرض القصير العسكري وماراتون بيروت

تجسّدت أوضح صورة عمّا يتنازع لبنان بين منهج تدميري للدولة وآخر انمائي حضاري، من جهة في الاستعراض العسكري غير المسبوق الذي اقامه «حزب الله» في بلدة القصير السورية، وشكّل دفعة الى الوراء بما سيجرّه من ويلات على صعد مختلفة، ومن جهة اخرى في الماراتون الرياضي الذي غصّت به الاحد شوارع من العاصمة بيروت، بما يعني دفعة الى الامام عبر ما يعدّ به من تحسين لصورة البلاد تساهم في تعزيز وحدتها الداخلية وصورتها الخارجية بما يحفز على تنشيط الاستثمار.

في المقلب الاول، تحوّل «حزب الله»، الذي طالما تغنى بقدرته على مواجهة اسرائيل باعتباره يعتمد «حرب عصابات»، الى جيش نظامي يستعرض آلياته واسلحته وعناصره على ارض غير لبنانية، بما يعني عمليا انه يمحو الحدود مع سوريا، كما سبق مثلا لـ«داعش» الارهابي عندما ازال الحدود بين العراق وسوريا.

وبغضّ النظر عما يحمله الاستعراض من رسائل محليّة واقليمية ودوليّة، فإن السلبية هي قاسمها المشترك على كل الصعد.

محليّاً هو يضرب صورة العهد الجديد الذي جدّد رئيسه ميشال عون بالامس تعهده تنفيذ كامل ما ورد في خطاب قسمه الذي نص حرفياً على «ضرورة ابتعاده (لبنان) عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه (بشأن عدم التدخل في شؤون الغير)»،وذلك رغم تركيز بعض وسائل الاعلام المقربة من الحزب على ان الهدف الرئيس استنهاض جمهور الحزب مقابل ارتفاع خسائره البشرية. كما وانه اتى قبيل الاستعراض العسكري الذي سيقيمه الجيش اللبناني في عيد الاستقلال الثلاثاء المقبل، بعد غياب عامين بسبب الفراغ الرئاسي. اضافة الى ما اثارته من شكوك الاليات الاميركية الصنع التي استعرضها بشأن مصدرها، فاضطر الجيش الى نفي ان تكون من عنده، رغم تعدد الجهات التي يمكن ان تأتي منها: ايران التي ما زالت تمتلك هذا النوع منذ عهد الشاه، الى تلك التي زودت بها الولايات المتحدة الجيش العراقي، وصولا الى الرواية شبه الرسمية للحزب التي تقول بانها من غنائم حرب تحرير جنوب لبنان من اسرائيل عام 2000 .

اما اقليمياً ودولياً، فيبقى الاستعراض رسالة ايرانية محضة يقدمها «حزب الله» على حساب لبنان ومصالحه. فايران تسعى لحجز مكان لها اذا اقترب الحلّ في سوريا، التي بذلت من اجل الحفاظ على نظامها الكثير الكثير لتبقى الممر الالزامي لتواصل مريديها. فطهران باتت محشورة بين الخشية من ان يطغى النفوذ الروسي في سوريا على مصالحها خصوصا في ظل تعزيزاته العسكرية الاخيرة، وما بين الخشية من ميل الرئيس الاميركي الجديد الى تقليص سطوتها في المنطقة.

فـ«حزب الله» درج على استعراض قوته داخليا بشكل مغاير، سواء في 7 ايار 2008 عندما احتل عسكريا بيروت وصولا الى القمصان السود الذين انتشروا في شوارع العاصمة لتبديل توازناتها. اما الاستعراض الاخير فقد اتى غير مسبوق وللمفارقة بدون خشية تعديات اسرائيلية، في ظل تأكيدات مناصريه ان حجم ما يحمله من تهديد موجّه حصرا الى الدولة العبرية. وفيما لم يوزع الحزب اولا رسميا خبر الاستعراض، عاد نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم ليؤكد في حديث صحفي حدوثه وعلى انه «رسالة واضحة وصريحة للجميع، ولا تحتاج الى توضيحات وتفسيرات لان اي تفسير سيؤدي الى انهاء دلالاتها، وعلى كل جهة ان تقرأها كما هي».

في مقابل كل هذه المخاطر اتى «بلوم بيروت ماراتون» الاحد مستبدلا الآليات العسكرية بمجسمات انتشرت في الشوارع تمجد الحركة والاستمتاع بالحياة. واتى بحضور اكثر من 47 الف مشارك من بينهم 3500 اجنبي يمثلون 99 دولة عربية واجنية «ليضع لبنان اكثر فاكثر على الخريطة العالمية « وفق المنظمين. وهو «شكل جديد من اشكال المقاومة والاصرار» كما وصفه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري خصوصا بما حمله من دلائل تفاؤل وسلام، عبر تميزه بمشاركة وطنية تمثلت فيها مختلف الفئات العمرية والدينية والمناطقية، اضافة الى اكثر من مئة جمعية تحمل عناوين انسانية من ذوي الاحتياجات الخاصة الى اطفال ضد السرطان الى دعم تعليم الاطفال المرضى.