Site icon IMLebanon

لبنان بين «الخصمَين»!

 

انتهت جولةٌ جديدة من الاشتباك النفطي بين لبنان وإسرائيل، الى فشلِ محاولةٍ أميركية لفرض أمرٍ واقع جديد يلبّي المصلحة الإسرائيلية أوّلاً وأخيراً. وينتزع من لبنان ما هو حقّه في مياهه وما تكتنزه من ثرواتٍ من النفط والغاز.

غادر الأميركيون ودخل لبنان في انتظار الجولة المقبلة وما قد تخبِّئه من ألغامٍ ومفخّخات من قبل واشنطن وتل ابيب. وأما موعدُ تلك الجولة، فحتماً سيكون وفق التوقيت الأميركي الإسرائيلي.

لبنان في هذا الاشتباك الأخير، تجاوز اختباراً صعباً، ونجا في آخر لحظة، من السقوط في شباك الطرح الأميركي بتقاسم المنطقة البحرية المختلف عليها (ما يُسمى البلوك رقم 9 البالغة مساحته نحو 860 كيلومتراً مربعاً) نحو 60 % منها للبنان 500 كيلومتر مربع) ونحو 40 % لإسرائيل (360 كيلومتراً مربعاً).

لقد كان لبنان في مواجهة خصمين، الأول هو الأميركيون ومعهم الإسرائيليون، بطرح التقاسم الذي يمنح إسرائيل مساحاتٍ واسعةٍ من المياه اللبنانية، وما فيها من ثروات نفطية وغازية تقدَّر قيمتُها بعشرات مليارات الدولارات.

وأما الخصم الثاني، فكان الإرباك الذي ضرب الموقفَ اللبناني والذي كاد يذهب به الى حافة السقوط أمام الطرح الأميركي. لقد هوّل الأميركيون على اللبنانيين وقالوا لبعض المسؤولين «أتريدون النفط أم لا؟ وإن كنتم تريدونه إقبلوا بهذا التقاسم وابدأوا باستخراج النفط».

المشكلة التي ظهرت هنا، أنّ بعض المستويات اللبنانية، كاد ينجرّ مع الطرح الأميركي، فقاربه أمام الأميركيين بليونة بدت وكأنها تخفي موافقةً ضمنيّةً عليه، حتى إنّ هذه المستويات وخلال نقاش بينها وبين مستويات لبنانية أخرى بدت مأخوذةً بالطرح الأميركي ومتحمّسةً له، واعتبرته «أفضل الموجود» وفرصةً لدخول لبنان مرحلة الاستثمار في هذه المساحة المهمة المعترَف بها للبنان (60 %) فماذا يريد لبنان أكثر من أن يأكل العنب؟

هذه الحماسة للطرح الأميركي فاجأت الرافضين لمنطق السطو الإسرائيلي على المياه اللبنانية والثروات القابعة تحتها، خصوصاً في مساحة الـ 40 % التي يقدّمها الطرح الأميركي الجديد لإسرائيل. المفاجئ أكثر كان استعجال هؤلاء المتحمّسين لطيّ هذا الملف والقبول به سريعاً، وثمّة مسؤول همَس في آذان البعض بعجز لبنان وعدم قدرته على ربح المعركة النفطية كما يشتهي، ومن باب العجز ساق سؤالاً معبِّراً: هل يمكننا أن نواجه أميركا أكبر دولة في العالم ونربح عليها في هذا الملف؟»

أمام هذا الإرباك شعر الأميركيون أنّ الليونة التي شابت موقف بعض اللبنانيين، قد تفتح الباب أمام سريان الطرح الأميركي. لكنّ الرياحَ هبَّت في اتّجاه آخر، واتّسم النقاش بين المستويات اللبنانية بلغة صارمة من قبل الرافضين للطرح الأميركي، فرملت اندفاعة المتحمّسين وأخرجت الموقف اللبناني النهائي الى العلن برفض الطرح، الذي أبلغ الى الأميركيين وعبّر عن هذا الرفض الرئيس نبيه بري بقوله «المطروح غير مقبول» وبإصراره على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحريّة عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم نيسان 1996 التي تضمّ لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة وذلك على غرار ما حصل خلال ترسيم الخط الأزرق على طول الحدود الجنوبية للبنان.

وعبّر عن هذا الرفض أيضاً «حزب الله» على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي خاطب المسؤولين اللبنانيين قائلاً: واشنطن ليست وسيطاً نزيهاً فلا تعوّلوا عليها ولا على وساطتها، فهي تريد مصلحة إسرائيل وليس مصلحة لبنان ومشيراً الى أنّ القوة هي وحدها التي تحمي الحدود البحرية والبرية وإذا طلب مجلس الدفاع الأعلى اللبناني أن تتوقّفَ محطات النفط والغاز الإسرائيلية عن العمل فـ»حزب الله» جاهزٌ لإيقافها.

سمع الأميركيون من اللبنانيين ما لم يعجبهم، وعلى هذا الموقف الرافض حزموا حقائبَهم وغادروا الى إسرائيل ومنها ربما يعودون الى لبنان.

اللافت في هذا السياق، أنّ سفيرَ دولة كبرى أبلغ بعض المسؤولين اللبنانيين أنّ بلاده، – ومن لحظة تقديم الطرح الأميركي في ما خصّ «التقاسم البحري»- قرأت فيه محاولةَ تحايُل على لبنان. وأنها لم تكن تتوقّع أقلّ من الرفض اللبناني له.

الأهم في ما قاله السفير المذكور إنه يستبعد أن تنحدرَ الأمور المرتبطة بهذا الاشتباك الى حدِّ اندلاع «حربٍ حول النفط» لسببين أساسيين، الأول هو أنّ الخاسرَ الأكبر في هذه الحرب هو إسرائيل ونحن نقرأ بكل جدّية ما قاله أمين عام «حزب الله» حول «توقيف المنصّات النفطية الإسرائيلية عن العمل» نحن ندرك أيضاً أنّ إسرائيل قد قرأت رسالة نصرالله جيداً.

وأما السبب الثاني، فهو القواعد الجديدة التي ظهرت في المنطقة بعد إسقاط طائرة الـ «اف 16» الإسرائيلية وهو تطوّرٌ أكثر من نوعي قاربه الإسرائيليون بكثيرٍ من القلق، حتى إنّ بعض المحلّلين والخبراء العسكريين ذهبوا في تقديراتهم الى حدّ القول بأنّ هذا التطوّرَ عكس أنّ إسرائيل وقعت في كمينٍ جوّي نُصب لها بإحكام وهُزمت فيه الحرب قبل أن تبدأ.

الكلامُ الإسرائيلي عن الكمين الجوّي المحكَم، يقرأه سفيرُ الدولة الكبرى على أنه «ينطوي على خشية المحلّلين والخبراء الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، من كمائن أخرى – ربما تكون أخطر – في أيِّ حربٍ تُنصب للإسرائيليين ليس في الجوّ فقط، إنما في البرّ والبحر.

على أنّ السفيرَ نفسَه يلفت الى أنّ الاشتباكَ النفطي بين لبنان وإسرائيل يبدو محصوراً في موقعه ضمن المنطقة المسمّاة «البلوك رقم 9»، إلّا أنه، والكلام للسفير، لا يمكن الفصلُ بينه وبين ما يجري في المحيط الإقليمي.

إذ ثمّة حاجة لتتبّع الكثير من التحرّكات التي إذا ما تمّ التعمّقُ فيها نجدها تصبّ في مجملها في سياق المسعى الأميركي لرسم قواعد جديدة في المنطقة، بالتوازي مع محاولة تقويضٍ للانتصارات التي حقّقها المحورُ المعادي للأميركيين والإسرائيليين.

ومن هذه المحاولات على سبيل المثال:

واضحٌ هنا، يقول السفير، إنّ إسرائيل وعبر أميركا، حاولت أن تفرض على لبنان قواعد بحريّة – نفطيّة جديدة تأخذ منه ولا تعطيه بل تربكه داخلياً وتحرجه، ويبدو أنّ هذه المحاولة قد فشلت حالياً إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ إسرائيل لن تكرّرَ هذه المحاولة في المستقبل. وما نخشاه – وهذا ما يجب أن يتحسّبَ له اللبنانيون

– أن تلجأ الولاياتُ المتحدة الأميركية الى الضغط على لبنان لحَمْله على تقديم تنازلاتٍ بحريّة تترجم الطرحَ الأميركي الذي حملوه الى لبنان قبل أيام.

أما في الجانب الآخر يقول السفير المذكور فثمّة قواعد اشتباك وردع جديدة قد فُرضت في المنطقة، والأميركيون حاولوا تغييرَها وفشلوا، والإسرائيليون مصابون بالصدمة من التطوّر النوعي بإفقاد هيبة السلاح الجوّي الإسرائيلي وإسقاط الـ»اف 16» وبالتالي امتصاص الصدمة قد يتطلّب وقتاً.

هنا، يقول السفير، تكمن الأولويّة الإسرائيلية وليس الذهاب الى خطوات ومحاولات و»مغامرات لاستعادة الهيبة» قد تتدحرج معها الأمور نحو الحرب مع لبنان أو المواجهة الشاملة في المنطقة، وإسرائيل تدرك في ظلّ الموازين الحالية والقدرات العسكرية الموجودة لدى كل الأطراف أنّ نتائجَ الحرب أو المواجهة لن تكون وخيمةً أو تدميريةً أو مصيريةً على أعداء إسرائيل بل عليها أيضاً.