مع ارتفاع منسوب التوتر السعودي – الإيراني، واحتدام الحرب التي أضحت أكثر من باردة بين الولايات المتحدة وروسيا، مع تورّط الأخيرة بشكل مباشر على الساحة السورية، وفي حين لا تزال دول المنطقة تتخبط بارتدادات ربيعها العربي من جهة والحرب السورية من جهة أخرى، لمس الرئيس سلام ما كان يخشاه ويحذر منه، ألا وهو وضع لبنان على قائمة انتظار طويلة خارج سُلم اولويات الأسرة الدولية، حيث يتواجد الحدث في مكان آخر، على الرغم من ان الوطن الصغير يدفع أغلى فاتورة من حيث استضافته لما يقارب المليوني نازح سوري، مما يُشكّل «كارثة وطنية» كما وصفته الأمم المتحدة نفسها.
إلا أن النعوت والتضامن والدعم المعنوي لا يكفي للحفاظ على استقرار لبنان أمام هذه الأزمة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي باتت تفوق القدرة على تحملها، فلا البنية التحتية تُلبّي الاحتياجات الملحة من طاقة وسبل تصريفها، ولا الازدهار الاقتصادي هو بأوجّه ليوفر فرص عمل حيث باتت اليد العاملة تزاحم أهل البلد في لقمة عيشهم، ولا السلطة السياسية متوافقة على تعزيز الأمن والانصراف إلى معالجة الملفات الملحة، خاصة الحياتية، قبل أن يفلت زمام الشارع وتتحول ساحة ريّاض الصلح الى ساحة تحرير ثانية!
إلا أن هذا التوجه لا يزال بعيداً، بما أن التعطيل هو سيّد الموقف، ولا يُبدي أي طرف أي رغبة في تقديم التنازلات المطلوبة للخروج من مأزق الشلل التام.
لقد بلغ الاستخفاف بالملفات الملحة ذروته حيث يتمترس كل فريق خلف مواقفه المتصلبة، مستبيحاً حرمة المؤسسات الرسمية، مسيّساً كل قضية كلما سنحت الفرصة، مفقداً إياها جدواها وأحقيتها.
وإذا كانت المؤسسة العسكرية قد نجحت في السنوات الأخيرة في الحفاظ على تماسكها ووحدتها، في وقت ترقص فيه القوى السياسية على شفير هاوية الحرب الأهلية، مورطة الشارع في كل مرّة في عرض قوى عبثي ومتمادٍ في التبعية والشخصنة، ها هي اليوم تجد نفسها في مواجهة السطوة السياسية من جديد، حيث يحاول فريق فرض مصالحه الخاصة على الآخرين، متجاوزاً الأعراف، ضارباً بمعنويات العسكر وزارعاً ألغام الانقسام والتوتر بين أبناء المؤسسة الواحدة.
لقد حافظ حضور الحكومة على منصة الأمم المتحدة وفي الاجتماع الخامس لمجموعة الدعم الدولية، واللقاءات المكثفة التي أجراها الرئيس سلام مع رؤساء الدول وأصحاب النفوذ على إعادة لبنان إلى ورقة عمل المجتمع الدولي، وتحميل الأخير مسؤولية دعم استقراره الاقتصادي والأمني في ظل التحديات الجمّة التي يواجهها… وبالتالي لا بديل عن الشرعية للحفاظ على ما تبقى من دولة المؤسسات، فهل ستجرؤ بعض الجهات السياسية على تعطيل السلطة الأخيرة الفاعلة ورمي البلاد والعباد في غياهب الفراغ الرسمي والفوضى العارمة وزج الوطن تحت لائحة الدول المارقة أم أن الحراك سيُجبر الطبقة السياسية على إعادة الحسابات بدلاً من العمل على تطويعه كما كان في السابق؟