Site icon IMLebanon

لبنان بين امتحانين: قانون الانتخاب وطاقاته المهدورة

يتابع تلامذة الشهادة المتوسطة امتحاناتهم الرسمية (البروفيه) لينتظروا مع من سينضم اليهم لاحقاً من طلاب شهادة الثانوية العامة ومعهم أهاليهم، نتائج سهرهم وتعبهم طيلة أسابيع بل ربما أشهر. ويجتاز السياسيون في الفترة نفسها امتحاناً يتوقف عليه مصير وطن لأنه سيحدد مستقبله، قانون انتخاب يعكف مختلف الأفرقاء في البلد على وضع اللمسات الأخيرة عليه بعدما قطعوا أو كادوا حقل ألغام تفاصيله بكل شياطينها. وينتظر اللبنانيون مع هذا الامتحان نتائج صبرهم على الواقع الذي وصلت اليه حال البلاد وهم الذين يعيشون في كل يوم امتحاناً قاسياً لهذا الصبر في حياتهم اليومية في الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وهاتف كما في تأمين الطبابة والاستشفاء، كما في ارتفاع أعباء المعيشة وتراجع السياحة والاقتصاد وفرص العمل، كما في تنقلاتهم على طرقات الجلجلة في لبنان. وغيرها وغيرها من أسئلة لا يجدون لها إجابات.

فما يهم اللبنانيون، بغض النظر عن شكل القانون ومضمونه وتفاصيله، ما ستكون نتيجته وانعكاسه على حياتهم ومعيشتهم وأوضاعهم ومستقبل أولادهم. واذا ما كان المجلس المقبل سيحاكي تطلعاتهم في الخروج من الأزمات الى مرحلة جديدة من النهوض والازدهار والمستقبل الآمن والأفضل لأبنائهم. لذلك فأمام اللبنانيين أيضاً امتحان أصعب في اختيار ممثليهم على اساس ما سيحملونه من برامج تجد حلولاً لكل المشكلات التي نعانيها في لبنان.

بالأمس، حملت امتحانات الشهادة المتوسطة الرسمية (البروفيه) في يومها الثاني وضمن مسابقة مادة اللغة العربية نصاً بعنوان «رحلة الى الجنوب» لـ«وداد المقدسي قرطاس»، تحضر فيه عاصمة الجنوب صيدا بنخيلها وزهر ليمونها ومينائها وصياديها وقلعتها، كما تحضر الدامور والنبطية وقلعة الشقيف ونهر الليطاني والعديد مما يتميز به الجنوب ساحلاً وجبلاً من كنوز طبيعية وتاريخية وتراثية. ويقارب النص بتصرف موضوع مياه أنهارنا وينابيعنا التي تذهب هدراً بينما أراضينا ومزروعاتنا عطشى وبيوتنا تحت رحمة التقنين الكهربائي.

واذا كان التلامذة الممتحنون اضطروا للالتزام بالأسئلة المطروحة على النص وفقاً لشروط المسابقة الرسمية، فإن سؤالاً ودعوة يخلص اليهما النص يشكلان بحد ذاتهما امتحاناً دائماً للمعنيين في هذا البلد: لماذا لا تزال مياه الأنهار في بلادنا تذهب الى البحر، ومتى تستخدم مياه ينابيعنا الجوّادة لتغذي الأرض فتخرج من أجوافها بَرَكة الغرس والزرع؟ ومتى تستخدم لتشع بيوتنا أنواراً؟. وفي موضع آخر من النص، دعوة من على سطح قلعة صيدا البحرية لـ«إحياء التراث فتتحسس الأجيال الناشئة من خلال الماضي أنوار المستقبل».

وبين هذا السؤال وتلك الدعوة خلاصة مشتركة: هذا البلد يملك طاقات ومقومات لا يستفيد منها، أهمها مياهه وتراثه، وكلاهما، المياه والتراث، يمكن أن يكونا مصدراً للنور لهذا البلد، الأولى تضيء الحاضر بتقنيات العلم والمستقبل، والثاني يضيء المستقبل بسراج الماضي العريق. لكن ثمة طاقة اهم وأقوى اذا ما اتيح للبنان ان يستفيد منها، وهي طلابه وشبابه الذين تقع على عاتقهم تسلم لواء الغد الآتي. على ان نكون قد مهدنا لهم الطريق.. الى وطنهم وليس منه الى المغتربات والمهاجر.. حتى لا يتحولوا بدورهم الى طاقة مهدورة. وذلك امتحان آخر.