Site icon IMLebanon

لبنان بين التمنيات والمؤامرات!

 

 

كأن سيف الإفلاس المالي والاقتصادي المصلت على رقاب اللبنانيِّين والذي بات يحكم قبضته بعدما فشلت الطبقة السياسية في الخروج من مستنقعات الفساد والهدر وافلاس خزينة الدولة لم يعد كافياّ، حتى بدأت موجة تشكيك بين مكونات السلطة، ودخل الجميع في دوامة انعدام الثقة وتقاذف المسؤولية باللامسؤولية، واعتماد نظرية المؤامرة لكل مجريات الأحداث الأخيرة.

 

وتحول الجميع لمتآمرين على العهد، بدأً من الرئاستين الثانية والثالثة مروراً  بالحليف الاستراتيجي ووصولاً الى المؤسسة العسكرية! ففتحت النار على الجميع، بدءاً من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان «المسؤولين» عن التدهور النقدي وكأن الاستقرار كان سيد الموقف وما آلت اليه الأمور بمفاجأة! لا شك ان للشائعات دورا كبيرا في إشاعة الذعر حول توفر السيولة المالية بالدولار الا انها ليست هابطة من عدم وهي النتيجة الطبيعية لشعور المواطن المتنامي انه وحيد في مواجهة الضائقة المالية في حين دولته منشغلة بالتخطيط لسداد ديونها من لقمة عيشه حتى لا تمس بمكتسبات صقورها.. وفي ظل غياب الشفافية حول الواقع المالي والرؤية الموحدة لمعالجته. فكانت خطوات المصارف الوقائية حينا والمفرطة حينا آخر اضافة الى انفلات سوق الصيارفة عود الكبريت الذي اشعل النار بهواجس المواطن!

 

اما الرئيس الحريري، فقد ناله من الحب جانب بعدما اتّهم بالكسل والتقاعس عن العمل امام الرئيس ماكرون، وكأن ملف الكهرباء، وهو مطلب الدول المانحة الاول، ليس بعهدة العهد الذي يصر على الحلول الأعلى تكلفة والأقل فائدة نظرا لطول الوقت المنتظر للتحقيق، فالإصرار مريب على السفن وما تحمل في طياتها من صفقات في حين ان شركة سيمنز حلت أزمة كهرباء مصر وامّنت الطاقة لخمسة وأربعين مليون مواطن في فترة زمنية لم تتجاوز الثلاث سنوات وكانت على أتم الاستعداد لحل أزمة لبنان أيضاً في الطاقة والنفايات!!

 

اما حزب الله فهو في موضع الشك أيضاً خاصة بعد تظاهرات الأحد الماضي بتحريك الشارع، وكأن وجع اللبنانيين بات بحاجة لمن يحركه، وكأن صرخة النساء والرجال العاطلين عن العمل والشيوخ الذين يموتون على أبواب المستشفيات وجنب حاويات النفايات ليسوا حقيقة موثقة بالصوت والصورة، والتحرك الشعبي الذي حصل هو اقل بكثير مما يجب ان يكون حتى انه تأخر وجاء ناقصاً للتنسيق في المطالب والتجمع.

 

اضافة الى العقوبات الاميركية على حزب الله وتوقيت أزمة بنك الجمال التي كانت لها انعكاسات سلبية على استقرار النقد والثقة بالقطاع المصرفي.. بمعنى آخر يسوّق فريق العهد انها مؤامرة كونية لإفشاله وقطع الطريق على الوزير باسيل الذي يتحضر لخوض معركة الرئاسة المقبلة.. الا ان هذا المنطق مرفوض لان المتهمين بإفشال العهد هم من أوصلوه أصلا الى الرئاسة دافعين أثماناً باهظة شعبياً ومشاركين في حكومة وحدة وطنية تأمل المواطن من خلالها ان ينتهي من تراشق المسؤوليات وتتوحد الجهود للخروج من الازمة، ولو كلفته  بعض التقاسم للحصص ما بين أهل الحكم.

 

الا انه سرعان ما تساقطت  التمنيات ضحية الواقع المر، فإذا بالحصص توزع والفساد يستمر والخلافات تظهر عند كل منعطف لتؤكد للمجتمع الدولي واللبنانيين على حد سواء ان هذه الطبقة السياسية اضعف من ان تتعالى عن مصالحها الخاصة لإنقاذ ما تبقى من اشلاء وطن منهوب وبقايا شعب مسلوب الإرادة والأمل بغد أفضل، وانه لا خروج من هذا المأزق الا عبر حكومة تكنوقراط مختصرة ومتخصصة تضع الانقاذ الاقتصادي في اعلى سلم أولوياتها لاستعادة الثقة الدولية واعادة عجلة أموال  سيدر للتحرك السريع!

 

ان ما تعجز هذه الطبقة السياسية عن استيعابه هو ان فشلها يعني نهاية البلد ونجاحها يعني إعادة الدم الى عروقه، وبالتالي الأجدى ان يكون التركيز على التغلب على الازمة الراهنة وليس كيف السبيل لتحقيق المكاسب في المستقبل، لانه لن يكون من مستقبل لاحد اذا افلس لبنان وجاع شعبه اكثر، ولانه لا زال رسميا حتى الساعة وطناً واحداً تحكمه دولة ويسكنه شعب واحد وليس كانتونات تعيش فيها شعوب وتحكمها دويلات، فإما نغرق معا او ننجو معا… فلا طائل من هواجس المؤامرات في حين أن المطلوب هو العمل على توحيد الصفوف والجهود للخروج من هذا المأزق بأقل ضرر ممكن!