IMLebanon

لبنان يلدغ من جحر مرات!

 

سقطت التسوية السياسية التي أتت بالرئيس عون الى بعبدا والرئيس الحريري الى السراي على أساس تحييد لبنان عن أتون الصراعات المحيطة به، وإبعاده عن المحور الإيراني والحرائق الممتدة من ارضه نحو دول الخليج العربي، ساعة التقى الوزير باسيل الوزير المعلم، ولحظة تصريح الرئيس روحاني عن امتلاك ايران القرار في لبنان، وتوجت في تصريح ولايتي الأخير عن انتصار محور المقاومة، دون اغفال تغطية الرئيس عون لسلاح حزب الله عندما ربطه بانتهاء الصراعات في المنطقة، في كلام له للصحافة الكويتية، مع كل ما يعني ذلك من تدخل عسكري للحزب لبسط سلطة ايران وتقويض الاستقرار في دول الخليج. وبناء على ذلك، تفهم خلفية استقالة الرئيس الحريري، على الرغم من مفاجأة الزمان والمكان، الا ان الإمعان في استغلال رغبة الأخير الصادقة بتحييد لبنان عن النيران المحيطة، والتي دفع ولا زال يدفع ثمنها غاليا من رصيده الشعبي والرسمي، كانت ستؤدي حتما إلى إنهاء التسوية قبل ان يقطف الفريق الاخر ثمارها!

انها أوقات شبيهة بالفترة السابقة لـ١٤شباط الأسود كما جاء في خطاب الاستقالة، حيث أحرج الحريري الأب حتى اخرج وتم الاغتيال الجسدي… والْيَوْمَ تم احراج الحريري الابن بغية التصفية السياسية وربما الجسدية بعد ذلك… الا ان الاستقالة جاءت لتضع حدا لهذا التمادي وتضع كل فريق امام مسؤولياته الوطنية قبل أجنداته الخارجية.

والالتفاف الرسمي والشعبي اليوم لا يعني استمرار التسوية، بل استشعار مختلف الافرقاء بالخطر الحقيقي المحدق بالوطن الصغير بفعل قرار دولي بفصل مساره عن ايران ومواجهتها للمجتمع الدولي من جهة ودول الخليج من جهة اخرى. ومن هنا يقع على عاتق من زُج بلبنان في هذه المعادلة المميتة ان يخرجه منها، لأن لا مصلحة له على الإطلاق للمناورة وجره في مبارزة بين دول قادرة، بينما هو يقف على شفير هاوية الانهيار الاقتصادي اذا ما سحبت دول الخليج ودائعها واعادت الخمسمائة وخمسين ألف لبناني العاملين في الخليج الى ديارهم، وقاطعت البضائع اللبنانية… انها ليست تهديدات او تهويل، انها ردّة فعل طبيعية لدولة تحمي مصالحها وتصون أمنها القومي بشتى الوسائل المتاحة. فهل نعي، نحن اللبنانيين، لمصالحنا الوطنية ونصون أمننا القومي قبل أجنداتنا الخارجية وولاءاتنا الإقليمية؟

لقد فات وقت تراشق الاتهامات وإلقاء المسؤوليات ووقع المحظور، ولم يعد لحديث السيادة طعم او نكهة منذ لحظة انخراط حزب الله في صراعات المنطقة على الرغم من محاولة شركائه في الوطن ثنيه عن ذلك بكل ما كان متاحا أمامهم، وهو ليس بالكثير مقارنة بقوة السلاح!

إن السيادة الحقيقية لا تكتسب بالشعارات والمزايدات بل بالتضحيات، ولا يمكن لفريق دون الاخر ان يدفع ثمنها الغالي، لذلك لا بد من ان يتحمل كل مسؤولياته، وكما زُج بلبنان بهذا الصراع من دون ان يناله أية مكاسب، بل العكس تماما، ما انفك يسدد فاتورة قرار اتخذه فريق متجاوزا أعراف السيادة والشراكة الوطنية، لا بد من اتخاذ كل الخطوات الضرورية لإخراجه من هذا الأتون، مهما كانت صعبة. فهل ينجح الرئيس عون، وهو رمز «الرئيس القوي»، في سحب فتيل التفجير واعادة لبنان تحت المظلة العربية، معيدا ترتيب الاولويات اللبنانية عند حليفه الاستراتيجي؟ أم ان الشق السيادي في المقلب الاخر لا زال ماضياً في أجنداته مهما كانت التكلفة؟

لقد اثبتت التجارب المريرة التي مر بها لبنان ولا يزال حتى الْيَوْمَ انه مهما أبدى حليف إقليمي حرصا من هنا او دعما من هناك، فلا دولة تتصرف الا بما تمليه مصلحتها العليا، وبالتالي لم يعد السؤال اليوم: لبنان مع من بل هل يستمر وكيف؟ لقد سقطت كل الحجج للدفاع عن فريق او آخر، ولم يعد يهم إلا أن يتفضل من أقحم الوطن الصغير وأهله الشرفاء في صراعات لا تعنيهم من قريب او بعيد، بإصلاح الضرر وإخراجهم من رمال الحروب المتحركة!