Site icon IMLebanon

لبنان النازف بأمراضه المزمنة

تقريران صدرا حديثاً عن مؤسستين دوليتين أو عن خبراء مكلفين من احدى المؤسستين.

التقرير الاول صدر عن فريق البنك الدولي في لبنان والذي انضم الى طاقمه المحلي خبراء دوليون، وآخرون لبنانيون. وفي تمهيد لخلاصة هذا التقرير يقول المشرفون على الدراسة ان فريق البنك الدولي وخبراء دوليين ومحليين سعوا الى إنجاز Systemic Country Diagnosis أي تحليل متناسق لأوضاع الاقتصاد اللبناني، وهم يشيرون الى ان الاحصاءات المتوافرة رسميًا ليست بالضرورة دقيقة ومع ذلك يرسمون صورة قاتمة للنتائج ويؤكدون ان لبنان لا يستطيع توفير فرص عمل ان على صعيد الكمية أم النوعية تتماشى مع اهداف النمو التي يمكن اختصارها باثنين: خفض معدلات الفقر وتوسيع رقعة المشاركة في البحبوحة.

ويعود العجز عن تحقيق الهدفين المشار اليهما الى سببين واضحين لتأثير اعناق الاختناق التي تواجه الآمال. السبب الاول حصر فرص العمل سواء المجدية أو المربحة ماديًا بأفرقاء ينتمون الى مذاهب محددة، وايقاف عجلة القرارات الانمائية كلما ظهر انها تعارض أهداف فئة من فئات المذاهب الطاغية على القرارات الحكومية. والسبب الثاني نتائج الاقتتال سابقًا في الداخل وحاليًا في المنطقة ككل مع الإشارة الى ان للنزاع في سوريا تأثيراً بالغ الضرر على لبنان.

وفي تقديرات فريق البنك الدولي ان التنافس المذهبي يسهم في هدر ما يوازي 9 في المئة من الدخل القومي سنويًا، ويرون ان تحكم ممثلي المذاهب والفساد باتا من الصفات الملازمة للحياة العامة في لبنان.

على صعيد نتائج الاقتتال سابقًا، وتفاعلات الوضع مع الحرب الجارية في سوريا، تبدو الارقام فاقعة ومخيفة وهي ليست كاملة كما نبين بعد عرض الخسائر الملخصة في تقرير خبراء البنك الدولي.

خسائر الحرب الاهلية في لبنان ما بين 1975 و1990 تسببت بخسارة ما يوازي نصف حجم الدخل القومي الذي صار يوازي عام 1990 نصف ما كان عام 1975. وحرب عام 2006 تسببت بخسارات مباشرة وازت 2.8 ملياري دولار، وخسائر غير مباشرة تجاوزت الـ700 مليون دولار. أما النزاع المستمر في سوريا وتدفق المهجرين الى لبنان فتسببا بخسائر خلال السنوات الثلاث المنصرمة توازي 7.5 مليارات دولار، وهذه بدورها اضافة الى الضغوط على توافر الكهرباء والمياه وحاجات معالجة النفايات اسهمت في توسيع عجز حسابات الميزانية 2٫6 ملياري دولار.

يجب ان نزيد على هذه الارقام خسائر عام 1996 عندما شنت اسرائيل حربًا ضروسًا على لبنان وتسببت بمقتل أكثر من 100 لبناني ولبنانية بينهم نسبة مرتفعة من الاطفال لجأوا الى مخيم لقوات الامم المتحدة في قانا، والطيران الاسرائيلي غارة على المخيم على رغم ابلاغ جنود الأمم المتحدة الجيش الاسرائيلي ان الملتجئين مدنيون من غير المحاربين. ولا شك في ان تلك الدورة من القتال، سواء في تدمير الجسور ومنشئات الكهرباء والتهجير الموقت لـ400 الف لبناني ولبنانية من قرى الجنوب كانت لها كلفة بالغة على الاقتصاد اللبناني. والارواح المفقودة عام 1996 أو 2006 لا يمكن قياسها بالمال.

ولعل أفضل شهادة على كفاح اللبنانيين لاستعادة مستوى حياة مقبول، على رغم الحروب، يتجلّى من أرقام ارتفاع الدخل القومي ما بين 1992 و2014 استناداً غلى الدراسة. فالمعدل الوسطي لزيادة الدخل القومي كان على مستوى 4.4 في المئة سنويًا وهو مستوى جيد في فترة 22 سنة، خصوصاً ان هذه السنوات شهدت حربين وانعدام السياحة سنوات بسبب الحرب في سوريا، واستمرار ازمة الكهرباء دون حل جذري منذ عام 1999 عندما كانت الكهرباء متوافرة 24/24 ساعة يوميًا. ويجب التذكير بان النمو كان مفقودًا عامي 1998 و1999 ولم يستعد إلاّ بعد انتخابات عام 2000 في حزيران، وتالياً أن معدل النمو في سنوات تجاوز المعدل الوسطي بكثير وبلغ عام 2009 أكثر من 8.5 في المئة.

وقد انتهى فريق البنك الدولي الى التركيز على ثماني توصيات لتصحيح الاوضاع في لبنان سعيًا الى توسيع فرص العمل واشراك نسبة اكبر في البحبوبة:

– خفض العجوزات المالية.

– تحسين الشفافية والفاعلية في ادارات الدولة.

– التركيز على قضية توافر الطاقة (خاصة منها الطاقة الكهربائية) لتحسين انتاجية القطاع الخاص وخفض عجوزات مؤسسة كهرباء لبنان.

– تطوير وتحسين وسائل الاتصال والتواصل واعتماد المعلوماتية على نطاق واسع بحيث يصير لبنان معاصرًا للتطورات التقنية ومتفاعلاً معها الامر الذي يوفر فرص عمل واسعة في نشاطات مجزية.

– تطوير برامج التعليم ووسائله بحيث تتوافر فرص اكتساب المعارف والخبرات لجيل الشباب الذين يقتدرون عندئذٍ على المشاركة الفعالة في الاقتصاد الحديث.

– تحسين مناخ ممارسة الاعمال وتسهيل انشاء الشركات واطلاقها.

– التركيز على مستوجبات الحفاظ على البيئة لحماية ثروات لبنان الطبيعية، وخصوصاً ثروته المائية.

* * *

بعد تقرير البنك الدولي نأتي الى تقرير وضه خبيرين بتكليف من صندوق النقد الدولي، ومع ان التقرير نشر على انه من اوراق عمل صندوق النقد الدولي، فهناك اشارة الى ان المحتوى لا يمثل الرأي النهائي للصندوق.

وعلى رغم هذه الاشارة، التي هي من باب رفع المسؤولية لا غير، يمكن القول إن موضوع التقرير يتناول جانباً بالغ الاهمية لحياة اللبنانيين، واحصاءاته ربما كانت تبعث على القلق اكثر من تقرير البنك الدولي.

التقرير عنوانه “تقديرات حسابية لنظم التقاعد في لبنان”.

المعطى الاول والمخيف في لبنان ان نسبة المسنين فوق الـ65 سنة تبلغ نسبة 35 في المئة من اليد العاملة وهذه أعلى نسبة في بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حيث المعدل الوسطي هو دون 20 في المئة باستثناء الكويت وايران حيث المعدل يقرب من 26 في المئة.

ويعود ارتفاع نسبة المسنين الى مجمل اليد العاملة في لبنان الى أمرين: أولاً، ارتفاع معدل السن قبل الوفاة في لبنان الى 80 سنة، وهو المعدل الاعلى في المنطقة ومن المتوقع ارتفاعه الى 86 سنة في 2050. ثانيًا، ان معدل الولادات في لبنان هو أدنى منه في جميع بلدان المنطقة. وكلا السببين يؤدي ارتفاع عبء الاعتناء بالمسنين على عاتق العاملين.

واضافة الى عدم وجود نظام لضمان الشيخوخة في لبنان، هنالك برامج متفرقة. فموظفو الدولة والجيش وقوى الامن الداخلي، لديهم نظام كبير المنفعة، وفي حالات معينة يسري معاش التقاعد على الزوجة الى حين وفاتها وعلى الاناث غير المتزوجات او المطلقات. كما أن هنالك انظمة للمتعاقدين مع الدولة وهؤلاء يلحقون بالمضمونين في نظام الضمان الاجتماعي.

الضمان الاجتماعي الذي بدأ العمل به منذ عام 1964 يوفر تعويضًا عند نهاية سني الخدمة، وفي حالات معينة قبل انقضاء 20 سنة شرط طلب الموظف ذلك وحينئذٍ يخسر الموظف نسبة مئوية مما هو مستحق له حتى تاريخ تقاعده الاختياري.

الضمان الاجتماعي يغطي لاعداد المنتسبين وعائلاتهم نحو 30 في المئة من اللبنانيين، والمشكلة القائمة ان فرع الضمان الصحي يشكو من العجز، خصوصاً ان الدولة المفترض تأمينها نسبة 25 في المئة من تكاليفه لم تسدد اية تكاليف منذ أربع سنوات. وعلى رغم استقلالية مالية فروع الضمان الاجتماعي، من المؤكد ان الضمان الصحي استقطع موارد مهمة من صندوق التقاعد، الامر الذي يبعث على الخوف من ان يكون هذا الصندوق (صندوق التقاعد) عاجزًا عن الوفاء بالتزاماته في المستقبل غير البعيد.

يبقى ان نقابات المهندسين، والاطباء، والصيادلة، واساتذة الجامعات تحظى ببرامج تشمل تعويضات نهاية الخدمة والضمان الصحي حتى بعد انتهاء فترة الوظيفة او خسارة المهنة، وهؤلاء يشكلون ثمانية في المئة من مجمل عدد اللبنانيين العاملين. فعلى سبيل المثال، ومما يثير السخط، ان متوسط المعاش التقاعدي لأساتذة الجامعة اللبنانية يبلغ 50 الف دولار سنويًا ما عدا التقديمات الصحية والعائلية والمساعدات المدرسية والجامعية للأولاد التي تبقى سارية المفعول الى ما بعد سن التقاعد، وهذه تعتبر أسخى بكثير من تقديمات أرقى جامعات العالم وهدراً كبيراً للموارد المالية للدولة وتقدم على حساب جيل جديد يسعى بصعوبة الى الحصول على فرصة عمل محترمة وضربًا لمبدأ المساواة في الحقوق نسبة الى الواجبات.

توصيات الدراسة متعددة، منها ما هو تدريجي، لكن التنفيذ غير متوقع في زمن قريب، وتالياً سيبقى اللبنانيون يعانون في شبابهم ومنتصف العمر، شح فرص العمل والاكتساب، كما على الاقل 30 في المئة من اللبنانيين لا يستطيعون توقع العناية والحماية من العوز والمرض في المستقبل.

لبنان الاخضر، لبنان المتدفق حيوية وأملاً، لقد يبست أيامك على أيدي سياسييك.