Site icon IMLebanon

تعديل الحدود والموافقة الإستثنائية

 

نصّت المادة الأولى من الدستور اللبناني على أنّ لبنان دولة مستقلّة ذات وحدة لا تتجزّأ وسيادة تامّة. كذلك نصّت المادة الثانية من الدستور على أنه لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه.

 

وبالتالي، أمر المحافظة على حقوق وحدود لبنان البرّية والبحرية، يُعتبر فرضًا وطنيًّا، وواجبًا مُقدّسًا، من دون أي لُبْسٍ أو اجتهاد.

 

تنبّه المُختّصون ولَوْ بعد عقد من الزمن، الى أنّ العدّو الإسرائيلي بات على مسافة أسابيع قليلة من البدء بأعمال التنقيب البحري في مساحات مُتنازع عليها، فكان قرارهم بالمواجهة، حِفاظًا على حقوق الوطن والمواطن، وبدأت مسيرة تعديل المرسوم الرقم /6433/، تمهيدًا لإبلاغه الى الأمم المُتّحدة للتقيُّد بمَنطوقه.

 

وبعيدًا عن السياسة، والأهداف، والتوقيت، والأطراف المُستفيدة والأخرى المشبوهة، سنُعالج الموضوع في الشق الدستوري الصّرف، بعيدًا عن كل حسابات ضيّقة ومصلحية ورئاسية قائمة أو مُحتملة.

 

نصّت المادة /17/ من الدستور اللبناني صراحةً على أن السلطة الإجرائية مُناطة حصرًا بمجلس الوزراء، وهو يتولّاها وفقًا لأحكام الدستور.

 

كذلك، نصّت المادة /65/ منه على أن مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ويتّخذ القرارات اللازمة لتطبيقها.

 

وبالتالي، مجلس الوزراء هو المسؤول دستورًا عملاً بالمادتين /17/ و/65/ من أحكام الدستور عن مصير البلاد والعباد، وهو المُكلّف حماية الجرود والحدود.

 

ونصّت المادة /64/ من الدستور (الفقرة الثانية منها)، بدورها، على أنّ الحكومة لا تمارس صلاحياتها بعد استقالتها، إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال.

 

وبالتالي، كان يقتضي على الرئيس حسان دياب وبعد أن تقدّم باستقالة حكومته في 10/8/2020، أن يفرز جدول أعمال الحكومة، بأن يعقد جلسات طارئة للحكومة للقضايا المُلّحة (بما في ذلك الموازنة العامة لسنة2021)، وبأن يُرجئ البتّ ببقية القضايا الأُخرى العادية للحكومة العتيدة.

 

غير أنه، وبالإتفاق مع رئيس الدولة، لجأ كما سبق ولجأ سَلَفَه الرئيس سعد الحريري إلى ابتداع نظرية «الموافقة الإستثنائية» التي نَسَفَت الدستور، واختزلت صلاحيات مجلس الوزراء مُجتمعًا.

 

وباتت الأمور تجري على النحو الآتي:

¶ يُنظّم الوزير المعني مشروع مرسوم، يوقّعه، ويُحيله إلى الوزراء المختصّين، ثم إلى رئاسة الحكومة، حيث يؤشّر عليه رئيس الحكومة على ورقة مستقلة بالموافقة الإستثنائية، يُرفع إلى رئيس الدولة للغرض نفسه. على أن يُعاد بعدها إلى الوزير المَعني لِتنظيم الصيغة النهائية للمرسوم. ويصدر بصيغة «قرار» عن رئاسة مجلس الوزراء، إستنادًا إلى موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الإستثنائية عليه، على أن يُعرض مستقبلاً على الحكومة العتيدة على سبيل التسوية.

 

وبالفِعل، صدرت مئات المراسيم بهذه الصيغة، أهمّها مرسوم تمديد إعلان حال التعبئة العامة (الذي هو في حاجة إلى موافقة ثُلثَي أعضاء الحكومة / الفقرة الخامسة من المادة «65» من الدستور.

 

واليوم، وأمام إصرار رئيس الدولة على وجوب عرض الموضوع (موضوع تعديل المرسوم /6433/)على مجلس الوزراء. قامت القيامة، وصار التصويب على رئيس الجمهورية، فيما الحقيقة هي كالآتي:

 

¶ انّ بِدعة «الموافقة الإستثنائية» غير دستورية، وتتنافى مع المبادئ الدستورية العامة، وتُجافي أحكام الدستور ونصوصه.

¶ ان بِدعة «الموافقة الإستثنائية» تُشكّل تعدّيًا صارخًا على صلاحيات مجلس الوزراء مُجتمعًا.

¶ ان اعتماد بِدعة «الموافقة الإستثنائية» في حكومة الرئيس سعد الحريري المُستقيلة، واليوم مع حكومة الرئيس حسان دياب المُستقيلة، لا تُبرِّر الإستمرار في الخطأ والمخالفة.

¶ ان الحلّ الأنسب للخروج من هذا المأزق يتمثّل بقرار دياب بتفعيل نص الفقرة الثانية من أحكام المادة /64/ من الدستور اللبناني. ودعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد، عملاً بصلاحياته الدستورية المنصوص عنها في المادة /64/ من الدستور بجدول أعمال مُختصَر بالقضايا المُلّحة والطارئة، المتعلّقة بالحقوق (كتعديل مرسوم ترسيم الحدود البحرية الجنوبية) والمهل (كقانون الموازنة العامة لسنة2021) والخطر المُحدق والداهِم، ومعالجة الحالات الطارئة والمُلّحة.

 

ولا يُمكن دياب أن يبقى مُتمترسًا خلف مواقفه والوطن ينهار وآيل للإندثار.

 

وفي الخُلاصة، لا خلفية تُذكَر لهذه الدراسة، إنما تأتي إحقاقًا للحّق، وقَولاً للحقيقة.