لم يظهر بدء التحالف الدولي قصف مواقع او مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا سوى مزيد من الغموض والانتظار في الداخل اللبناني في ظل وجود اسئلة كثيرة من دون اجوبة عنها. قد يكون ابرزها متصلا باعلان الرئيس الاميركي بان الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية قد يستغرق ثلاث سنوات ما يؤدي الى الشك في محافظة الحملة على وتيرة واحدة او بقاء التصميم الدولي او الاقليمي على حاله، فضلا عن الاسئلة المتعلقة بما بعد هذه الحملة وما اذا كان ثمة تصور واضح لنتائجها او انعكاساتها او احتمال تحولها في اتجاه حلول سياسية داعمة للنتائج ام لا. ففي ظل غياب روسيا والصين وايران عن التحالف يصعب تصور حلول سياسية في المنطقة تواكب النتائج العسكرية للحملة، على رغم اعتقاد مصادر سياسية معنية بان السنوات الثلاث المقدرة لحملة التحالف قد تفرج قبل انتهائها عن تطورات كبيرة. اذ ان انخراط ايران مثلا في التحالف مشروط بالنتيجة التي ستنتهي اليها مفاوضات مجموعة الدول الخمس زائد واحد مع ايران حول ملفها النووي والمتوقعة في 24 تشرين الثاني المقبل، في حين ان امكان اشراك سوريا في التحالف مشروط بقبول بشار الاسد حلا سياسيا مبنيا على اشراك كل المكونات السورية فيه على طريقة الحل الذي اعتمد في العراق وقضى بابعاد نوري المالكي، نظرا الى مسؤولية الاسد عن سقوط الضحايا في سوريا وعدم امكان ايجاد حل بوجوده في السلطة.
تربك هذه الوقائع اكثر فاكثر الوضع اللبناني، خصوصا مع بروز عامل جديد للخلاف والتوتر يتصل بموقع لبنان من التحالف الدولي وهل ينبغي استفادته منه في حربه على الارهاب ام لا وليس مشاركته، كون مشاركته ليست مطلوبة تماما، كما شكّل موضوع خطف العسكريين عامل ارباك كاد يطيح الحكومة ولا يزال يضعفها اكثر فاكثر. وتخشى المصادر السياسية ان يستمر لبنان في مواكبة هذه التطورات اسير عاملين قديمين جديدين : احدهما يتمثل بامكان أذية النظام السوري لبنان في حال تعاظم ضغوط كبيرة حشرته اكثر في ظل وهم لديه بانه سيكون المنتصر في هذه الحرب على داعش ومحاولة تموضعه من اجل ان يكون كذلك، على عكس ما ذهب اليه حلفاؤه ان كانت روسيا او ايران او حتى ” حزب الله” لجهة رفض الانخراط في التحالف الدولي ضد داعش. فعلى الضعف الذي بات يتسم به لا تزال هذه المصادر تعتقد انه يملك الامكانات للاذية والتي هدد بها لبنان صراحة منذ 2004 من اجل فرض التمديد للرئيس اميل لحود في السلطة ولا يني عن استخدامها من اجل محاولة تحسين اوراقه انطلاقا من لبنان او من اجل الضغط على الخارج.
وتعتقد كثرة من الاوساط السياسية ممن احبطها اللاجئون السوريون وولاءاتهم او مبررات لجوئهم الى لبنان بان هؤلاء قد يستخدمون كما يحصل في عرسال من هذه الجهة او تلك في اطار نقل صراعاتهم الى لبنان والتسبب بمزيد من ضعضعة الوضع فيه. وليست الضغوط على الجيش اللبناني في موضوع عرسال، وفق ما ترى هذه المصادر، والحملات الاعلامية التي رافقته لوسائل اعلام معروفة بولائها للنظام سوى من اجل الضغط للتنسيق معه في عرسال ومحاولة استعادة شرعيته من البوابة اللبنانية على رغم ان هذا الامر استدعى تساؤلات من مراجع سابقة عن جدوى التنسيق العملاني مع نظام يتكىء على مساندة تنظيم لبناني قوي له من اجل الصمود والبقاء، فيما يفترض ان تبرز الاستعانة بهذا التنظيم من ضمن استراتيجية دفاعية جنبا الى جنب مع الجيش من اجل حماية لبنان. وقد لفت في هذا الاطار سقوط مبدأ السيادة الذي كان يقول به مع خرق طائرات اميركية وعربية المجال الجوي السوري تساهم في مزيد من تدمير سوريا لمجرد التذرع بانه قد ابلغ بذلك. فيما تؤكد مصادر سياسية معطيات او معلومات استقتها من اتصالات خارجية بان ثمة وهما لدى النظام في حال اعتقاده بان حملة التحالف الدولي ستصب في مصلحته، على رغم استمرار جهل كل الدول، ايا كان موقعها وباعتراف مسؤولين كثر، ماذا قد يكون البديل منه حتى الآن في السلطة السورية وإن اجمعت كل الدول على استحالة بقائه. لكن هذا لا ينفي انه في مقابل هذه المؤشرات والتأكيدات رهان النظام وحلفائه على استعادة تعويمه خطوة خطوة بناء على مؤشرات غير حاسمة ضده وتحييده من الاستهداف مما قد لا يساعد على انهياره داخليا بل على العكس، فضلا عن رهانه على المتغيرات التي ستعتري خطوات التحالف مع تقدم العمليات ونتائجها ومحاولة استخدامه كل الاوراق المتاحة من اجل خدمة اهدافه.
فغياب الرؤية الى ما بعد الحملات على داعش في سوريا والتحذيرات او التكهنات من طول امدها تجعل الحذر سيد الموقف وكذلك المخاوف من مخاطر اكبر يستخدم لبنان من خلالها حتى لو كان ذلك بعودة التفجيرات او الاغتيالات، وذلك على رغم الاطمئنان الى الصورة الاكبر للوضع التي تفيد بتمسك الافرقاء السياسيين بعدم الذهاب الى حرب داخلية او حرب مذهبية لا يراها اي منهم في مصلحته او في مصلحة الدول الاقليمية التي لها نفوذها في لبنان، على الاقل من حيث المبدأ من دون ان ينفي تنقله بين هبة باردة وهبة ساخنة توصله الى انزلاقات الحرب الاهلية من دون وقوعه فيها.