Site icon IMLebanon

امبراطورية لبنان البيزنطية …

تختلف المكونات السياسية في لبنان على كل شيء تقريباً، من انتخابات رئاسة الجمهورية والى حلول أزمة النفايات، وعلى كل ما بينهما من قضايا معيشية واقتصادية واجرائية وتشريعية وغير ذلك. وعندما تصبح الحالة اللبنانية محيرة الى هذه الدرجة، فلا بد من العودة الى العلم والتاريخ، في محاولة لفهمها وتحديد معالمها. والبداية مع لبنان. وهو مؤلف من مجموعة أقاليم، ومن مجموعة سكانية لكل منها هوية ثقافية وايديولوجية مختلفة تجعل منها ما يشبه الشعوب المتباينة، ولكنها منتظمة تحت سيادة سياسية وعسكرية واحدة. والدولة التي تنطبق عليها هذه المواصفات، تسمى في قاموس العلوم السياسية والاجتماعية، ب امبراطورية. وفي هذه الحالة يكون لبنان امبراطورية، وإن تكن امبراطورية ميكروسكوبية ولا تقاس بغيرها من الامبراطوريات العظمى في التاريخ القديم والمعاصر…

بعد أن حددنا معالم لبنان كدولة، يبقى أن نحدد طبيعة النقاش السياسي الدائر بين مكوناته حول مختلف القضايا المطروحة من الرئاسة والى الجلسة التشريعية، وقانون الانتخابات، وأزمة النفايات وغير ذلك. ولا تتوافق هذه المكونات على حلول لأي من الملفات المطروحة على الرغم من أن الأخطار المصيرية تحيط بها من كل جانب، اما من ناحية العدو الاسرائيلي، واما من ناحية الاعداء التكفيريين. وهي حالة تشبه ما كان يجري في الامبراطورية البيزنطية. وبينما كانت جحافل السلطان العثماني محمد الثاني الفاتح تستعد للزحف وغزو الامبراطورية البيزنطية، كان مجلس الشيوخ البيزنطي غارقاً في جدليات تلهب مكونات الشعب البيزنطي… تماماً مثلما يجري اليوم من سجالات داخل البرلمان وخارجه في لبنان، وتلهب مشاعر مكوناته الطائفية والمذهبية والحزبية.

كانت مناقشات مجلس الشيوخ البيزنطي التي تلهب مشاعر المجتمع البيزنطي تدور حول قضايا مثل البحث في حجم ابليس وهل هو كبير باتساع الكون، ام هو صغير بحيث يمكنه العبور من خرم الابرة؟! وكذلك البحث في جنس الملائكة، وهل هي ذكور أم اناث؟! تماماً كما يجري اليوم في لبنان: هل الانتخاب الرئاسي أولاً، أو الانتخابات النيابية أولاً؟! أو هل تنعقد الجلسة التشريعية مع ادراج مشروع قانون الانتخاب على جدول أعمالها، أو عدم ادراجه؟!.. وهل نحل أزمة النفايات بالمطامر أم بالمحارق أم بالترحيل؟! الصفة البيزنطية تنطبق على كل نقاش لا يصل الى نتيجة أو اتفاق بين المكونات السياسية والاجتماعية في المجتمع الواحد. وعلى هذا الأساس تكون المناقشات الجارية بين اللبنانيين ومكوناتهم السياسية، ذات صفة بيزنطية…

المجتمع البيزنطي انتهى نهاية مأسوية… وبينما كان مجلس الشيوخ البيزنطي غارقاً في نقاشات محتدمة حول جنس الملائكة وحجم ابليس، كان عدوهم العثماني يقتحم أسوار المدينة، وكانت المعارك والدماء تجري وتسيل في الشوارع… فهل تستيقظ امبراطورية لبنان البيزنطية قبل فوات الأوان؟ أم يستمر البرلمانيون اللبنانيون في نقاشاتهم البيزنطية ولا يوقظهم سوى اختراق الأسوار، وقعقعة السلاح في الشوارع؟!