عندما يقول الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله إن الكلمة في موضوع الانتخابات الرئاسية هي لحليفه العماد ميشال عون، والأخير يقول إن الاتفاق على الجمهورية ينبغي أن يسبق الاتفاق على رئيس لها، ويضيف الوزير جبران باسيل في حديث له ان “التيار الوطني الحر سيظل يعطل النصاب الى أبد الآبدين… واللوم على من لا يحترم الميثاقية”، فهذا يعني أن ايران لم تقرّر بعد متى تقول كلمتها، وقد لا تقولها إلا بعد أن تطمئن الى سير المفاوضات حول الملف النووي وانتظار نتائج المساعي المبذولة لحل الأزمة السورية، ولتجعل الانتخابات الرئاسية في لبنان ورقة تضاف الى أوراق تمسك بها ولا تتخلى عنها إلا بعد أن تقبض الثمن، وهذا الثمن يبدأ في سوريا باقامة حكم تطمئن اليه لكي تتساهل عندئذ في لبنان.
ولكن من هو الخاسر إذا استمر الشغور الرئاسي في لبنان الى أجل غير معروف وبدعوى أن الفراغ يظل أفضل من سدة برئيس لا لون له ولا رائحة ولا طعم وجمهورية لا يحقق دستورها العدالة والانصاف للمسيحيين فيجعلهم مهمشين ولا دور لهم؟
هذا المنطق، في رأي البعض، هو منطق غير سليم. فاذا كان استمرار الشغور الرئاسي هو العمى فان سده بانتخاب أي رئيس يبقى هو الكحل، ذلك أن المتضرّر من بقاء سدة الرئاسة شاغرة هم المسيحيون، وتحديداً الموارنة، خصوصاً عندما تواصل السلطتان الثانية والثالثة عملهما حتى وإن أحدث ذلك خللاً في الميثاق الوطني. وسبب هذا الخلل هو الاستمرار في تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. ولتبرير هذا التعطيل دعا العماد عون الى الاتفاق على جمهورية تكون عادلة ومنصفة لجميع مكوناتها ولا سيما المكوّن المسيحي الذي يشكو من غبن وتهميش، ومن ثم الاتفاق على رئيس مناسب لها. لكن هذا معناه اعطاء الوقت الكافي لايران لكي تتوصل الى معرفة مصير المفاوضات حول الملف النووي ومصير المساعي المبذولة لحل الأزمة السورية، بحيث تستطيع التصرف في ضوء كل ذلك. وليس من السهل التوصل الى اتفاق على اقامة الجمهورية الفاضلة… في لبنان خلال وقت قصير لأن هذا الاتفاق يحتاج الى موافقة كل القوى السياسية الأساسية في البلاد وليس اتفاق فريق مسيحي فقط. لكن القصد من البحث في أسس الجمهورية قبل البحث في انتخاب رئيس لها يشكل خدمة لايران، وذلك باعطائها الوقت الكافي لاتخاذ قراراتها في المواضيع التي تعنيها ومنها موضوع الرئاسة الأولى في لبنان… فلو لم يمكن لايران مصلحة في تأخير انتخاب رئيس للبنان لتجعل منه ورقة ضغط ومساومة، لما كان “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” اعتمدا مقولة ان يكون العماد عون رئيساً للجمهورية وإلا فلا رئيس. وعندما أصبحت هذه المقولة ثقيلة عند الناس ولم تعد تحتمل، وأصبحت مضرّة باللبنانيين ولا سيما بالمسيحيين، ابتدع هذان الحزبان، إضاعة للوقت، قصة البحث في جمهورية جديدة للبنان تزيل الغبن الذي يشكو منه المسيحيون وتعيد اليهم دورهم الفاعل.
الواقع انه لو لم يكن لإيران مصلحة في تأخير اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان الى أن تحقق أهدافها، لكان انتخب رئيس للجمهورية ولكانت القوى السياسية الأساسية في البلاد عملت مع الرئيس الجديد على إقامة الجمهورية الجديدة المنشودة، وهي جمهورية لا يمكن أن تقوم مع استمرار وجود سلاح خارج الدولة. فهل آن أوان التخلص من هذا السلاح كي تقوم الدولة القوية في الجمهورية الجديدة واستمرار الحرب في سوريا لا يزال في حاجة الى هذا السلاح؟
لذلك فان الحوار السني – الشيعي والحوار المسيحي – المسيحي إذا لم يسفرا عن اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، فان لبنان لن يستطيع الصمود طويلاً وهو بلا رأس، وبانتخابه يمكن البحث جدياً في اقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، ولا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها. وإذا كان لا بدّ من بقاء السلاح خارجها فينبغي ضبطه بالاتفاق على استراتيجية دفاعية بجعل مرجعية واحدة لإمرتها والافادة من هذا السلاح عند مواجهة العدو الاسرائيلي ومكافحة عدو آخر جديد هو الارهاب، وان يصير بحث أيضاً في سياسة لبنان الخارجية، وهل تكون سياسة النأي بالنفس عن كل الصراعات لحماية ساحته من تداعيات أي نزاع في ساحات خارجية، وعندها لا يبقى لبنان في حاجة الى مظلة دولية تحميه، بل تكفيه المظلة الداخلية التي ترفعها فوق رأسه الوحدة الوطنية وسياسة الحياد.