الحوار الذي بدأ أمس في عين التينة له تاريخ، لكن من الصعب توصيفه بأنه حوار تاريخي. لا فقط للأنه بين شريكين في حكومة بل أيضاً لأن المحطات الحوارية بين تيار المستقبل وحزب الله بدت متقطعة على طريق من السجال والقطيعة والاتهامات بالقتل أو بالتآمر. وهي محطات ثلاث الى جانب محطات الحوار الوطني الجامع في ساحة النجمة ثم في قصر بعبدا. الأولى أديرت مباشرة بين الرئيس رفيق الحريري والأمين العام السيد حسن نصرالله مع متابعة بشكل غير مباشر. والثانية أديرت، بعد انقطاع في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري، باللقاء المباشر بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله ومتابعة المعاونين. أما الثالثة، فإنها تُدار على مستوى المعاونين باشراف الرئيس نبيه بري.
والسؤال ليس عما حدث في الماضي ومن تعهد بماذا ونكث بالوعد بل ما الذي يمكن أن يخرج من حوار بين طرفين مختلفين على أمور أساسية ومضطرين للتفاهم على أمور فرعية؟ الى أي حد يستطيع تيار المستقبل وحزب الله خفض منسوب الاحتقان السني – الشيعي النابع من مصادر عدة في المنطقة، والمكتمل بالمشاركة في حرب سوريا، وإن جمعهما خطر داعش؟ وما مدى الرغبة لدى المرجعيتين السعودية والايرانية في اخراج لبنان جزئياً من مناخ صراعهما الجيوسياسي في المنطقة وعليها أو اجراء تحويلة في لبنان لنهر الاحتقان المذهبي؟
لا مواقف مجانية في السياسة، على طريقة المثل الانكليري القائل ليس هناك شيء اسمه غداء مجاني. فالطرفان في حاجة الى حوار. والناس في حاجة الى صورة. والبلد في حاجة الى رئيس. والمحتاج مضطر للتخلي عن بعض شروطه. لكن الشائع حول تحضيرات الحوار هو التمسك بالمواقف الثابتة من الأمور الأساسية، وإخراجها من جدول الأعمال. ومجرد التسليم بذلك تصغير للحوار. والأخطر هو التسليم بأن مسألة الرئاسة ليست في يدنا مع ان القوى الاقليمية والدولية تدعي بأنها في يدنا.
مفهوم أن لبنان ليس خارج الصراع الجيوسياسي في المنطقة. لكن الواقع يقول للقوى المحلية والاقليمية والدولية ان الصراع طويل جداً، ولا مجال في سوريا ولا في العراق ولا اليمن ولا في ليبيا لانتصار كامل لطرف على آخر. والترجمة اللبنانية لذلك هي أنه لا مجال لانتصار طرف على آخر في الرئاسة، ولا جدوى من الاصرار على الانتصار لأنه يقود الى طريق لا أحد يعرف نهايته ولا ماذا يبقى من لبنان قبل الوصول اليها. فما معنى الحوار، والبلد ينهار إن لم يكن الانقاذ أول بنود الحوار؟ بداية الانقاذ هي التفاهم على رئيس توافقي من دون التشاطر على المسيحيين المنقسمين وتحميلهم المسؤولية.