Site icon IMLebanon

عشائر لبنان

 

يوم واحد يفصلنا عن الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت. دُمّر المرفأ الذي اختصر لعقود دور لبنان على المتوسط ونحو عمقه العربي، والجزء الذي لم تشمله جريمة التفجير نجا بسبب نقل الكمية الكبيرة من النيترات إلى الجبهات المفتوحة عسكرياً في سوريا وأمنياً في أوروبا ودول الخليج العربي، كما أثبتت الإعترافات التي أدلى بها موقوفون من خلايا حزب الله في المانيا قبل تفجير مرفأ بيروت ببضعة أشهر.وقد يكون السيل المكثّف من الرسائل التي وجهها أكثر من جهاز أمني باتّجاه الوزارات المعنيّة بعد التحقيقات في المانيا هو دلالة على محاولة استدراك لتبعات قادمة أو لإهمالٍ أو تواطؤٍ مقصود.

 

الدور الجديد الذي شاءته إيران للبنان، بجعل بيروت وضواحيها قاعدة خلفية لصراعاتها في المنطقة، وبقعة تزويد لوجستي وتعزيز بالقدرات البشرية لجبهاتها هو المسؤول الأول عن تفجير مرفأ بيروت. هذا الدور ليس نتيجة لتدخلات خارجية فوقية، وقد خبرناها وهي حقيقية كما تثبت وقائع التاريخ، بل استدعته وحفزته ثقافتنا الأهلية القائمة على نظام العصبيات وأعراف الإستقواء بالدين والخارج، وهي نجحت في تحويل لبنان إلى حقل استثمار بالمعنى السياسي والثقافي لتقديم مسالك ومشاريع سياسية هي مواضع تناقضات للتفجير والفتنة.

 

فبالتوازي مع الإستعداداتعلى كامل مساحة الوطن لإحياء الذكرى الفاجعة، وتوجيه أكثر من رسالة نحو الداخل والخارج، تعبيراًعن غضب وسخط عارميّن واتّهام واضح لمنظومة السلطة بالمسؤولية المباشرة في ارتكاب جريمة المرفأ المروّعة، سجّلت منطقة خلدة جولة جديدة من الإشتباكات بين عشائر العرب من سكان المنطقة ومسلّحي حزب الله بعد عملية ثأرية سقط فيها المسؤول في حزب الله علي شبلي المتهم بقتل أحد أبناء العشائر منذ سنة تقريباً في أحد المنتجعات الساحلية. عبّرت عملية الثأر وتسليم الجاني نفسه للأجهزة الأمنية عن عودة طوعيّة إلى نظام أمانفرضته عصبية الإنتماء العشائري، في مسلسل من المواجهات المتلاحقة مع عصبيةأخرى تصرّ على السيطرة بأسلوب التغلب أو الإستيلاء، وذلك بعد فقدان الثقة بالمؤسسات الأمنية والقضائية في التعاطي الجدي مع الجريمة وملاحقة مرتكبها. لقد قدّمت الجريمة المستنكرة قتلاً وثأراً وما تلاها من تصريح لأحد نواب حزب الله نموذجاً لتكريس صراع « إمارات الإستيلاء»، بما هي تجمعات فرضت نفسها كأمر واقع بفعل شوكة العصبية العشائرية أو الدينية، وبلوغ مرحلة الخروج على الدولة.

 

المظهر العشائري والمذهبي الذي تشهد منطقة خلدة فصوله المسلحة منذ عام تقريباً لا يختلف في مضمونه العصباني عن أي سجال أو خلاف سياسي بين أركان السلطة، لا يلبث أن يتحوّل إلى مواجهات بين عصبيات متنافسة باسلوب التغلب. أليس الصراع المفتوح على تشكيل الحكومة بين رئاسة الجمهورية والرؤساء المكلفين نموذجاً من صراع عشائري طائفي، يأخذ في طريقهكلّ اعتبار للدولة الوطنية ومؤسساتها تحت عناوين حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئيس وسقوط الجمهورية الثانية. ألا يُخاض هذا الصراع في لحظة إقليمية تحاول القول أنّ هناك عصبية مذهبية تنحدر وتضعف ومتحالفة مع الخارج،وبين عصبية ممانعة عن الإستتباع لتلك العصبية الهرمة،وهي اختارت أن تهزمها.ألا تخوض رئاسة الجمهورية وتيارها السياسي معركة إنتاج « عشيرة مارونية» تضاف إلى عشائر تمكّنت وهي تُمعن في الإنقضاض على الجمهورية الثانية التي حاولت نقل لبنان إلى مرحلة الدولة المدنية.

 

ما يقوم به القابضون على السلطة وأقطاب الإصطفافات والتسويات السياسية ــ في معرض الإحتماء خلف حصانات مصطنعة لا وجود لها في الدستورــ من تقاعس وتهرب من مواجهة الحقيقة، ومن تكبيل القضاء بالإجتهادات الدستورية والقانونية، ألا يندرج في مشهد عشائري تتكافل فيه وتتضامن عصبيات تصرّ على التمرد على القانون بالرغم من فداحة الجريمة.

 

المشهد العشائري لم يعد مقتصراً على خلدة حيث تتداعى الفعاليات لوأد الفتنة، ربما تصبح الحكومة المنتظرة حكومة عشائر لبنان .