عاين العالم وعانى مشاكل كثيرة طوال هذه السنة المنتهية. في الأمم المتحدة ملفات مفتوحة قديمة وجديدة لدول عدة في الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرهما من مناطق الحروب والنزاعات. على رغم كل الإخفاقات، لا تزال المنظمة الدولية المكان الوحيد الذي يمكن اللجوء اليه والإعتداد به لتسوية هذه المشاكل. ولكن.
تحاول الديبلوماسية الفرنسية الإضطلاع بدور رئيسي للخروج من المأزق الراهن الذي يواجهه المجتمع الدولي لتسوية اكثر المشاكل الراهنة في العالم تعقيدا. يمكنها أن تساعد اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم لانتخاب رئيس وسطي. غير أنها تعمل أيضاً لإقناع سواهم بأنه لم يعد في الإمكان إطلاقاً الإعتماد على التوازنات التي قام عليها النظام العالمي بعيد الحرب العالمية الثانية. كان يمكن في حقبة القطبين الرهان على التسويات في حال التوافق بين روسيا – وريثة الإتحاد السوفياتي – والولايات المتحدة. غير أن الأخيرة ثبتت نهاية هذه الحقبة بقرارها الأحادي غزو العراق عام 2003. انبثق من هذا الفشل الأميركي نظام عالمي جديد استهتر – ولا يزال بعضه يستخف – بقدرات القطب الأحادي الأميركي. ينقل عن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن الإنكفاء الأميركي أوجد عالماً بلا أقطاب أجّج ليس فقط الحرائق المشتعلة هنا وهناك، بل سمح أيضاً بتفجير نزاعات جديدة.
وقت تستمر المشاورات والنقاشات في شأن الإصلاح الضروري للأمم المتحدة على عتبة السنة السبعين لإنشائها، تقود فرنسا جهداً علنياً للحد من استخدام حق النقض، “الفيتو”، الذي صار أداة لهيمنة الولايات المتحدة خصوصاً، ومن ثم روسيا، وبدرجات متفاوتة فرنسا وبريطانيا والصين، على مجلس الأمن. تعطّل هذه الدول أي مشروع لا يتلاءم ومصالحها، حتى لو كان الأمر على حساب الأمن والسلم الدوليين. ليس خافياً رفض المندوبة الأميركية سامانتا باور ونظيرها الروسي فيتالي تشوركين هذا النوع من المبادرات. فليحلم ممثلو دول مثل الهند وألمانيا واليابان والبرازيل وجنوب أفريقيا بامتيازات كهذه.
بذلت الديبلوماسية الأميركية جهوداً جبارة في محاولة لإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين الى مفاوضات السلام. غير أن الخلاصة هي أن الوساطة الأميركية الأحادية لم تعد تنفع حتى للمحافظة على “انجازات” اتفاق أوسلو لعام 1993. تسعى الديبلوماسية الروسية الى تسويق تجميد القتال في حلب بعدما فشلت كل المحاولات الدولية للجم الحرب الأهلية في سوريا، ناهيك بمتاعبها الجمة في أوكرانيا. لا خيار أمام الجميع سوى أن يتكافلوا للتعامل مع فظائع “الدولة الإسلامية” الطامعة بالخلافة في سوريا والعراق، وعبرهما الى لبنان والأردن والسعودية ومصر، وربما أبعد.
لم تعد ثمة دولة واحدة نافذة وقوية الى حد يكفي لتسيير النظام الدولي. نتجه أكثر فأكثر الى بناء عالم متعدد القطب تجد فيه الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة، ضالتها ليس فقط لمحاولة تسوية مشاكل العالم، بل أيضاً للسعي الى المحافظة على مصالحها.
لا بأس إن كان لبنان المتعدد رمزاً لهذه الروح، عوض أن يكون ساحة لمنازعاتها.