أحزن وأغضب كلما قرأت مقالة أو تويت أو خبراً على صفحة إحدى المجموعات، تتحدث عن لبنان بيأس، أو تثير أخبارا مقلقة ومفزعة، أو تشتم وتلعن. كلّ الحروب سبقتها ورافقتها هجمات لتدمير المعنويات، وإحباط العزائم، وبث الرعب والخوف في القلوب. ونحن في لبنان، في خضمّ حرب شرسة أطرافها في الخارج وضحاياها في لبنان. تلك الأطراف تريد أن تضع يدها على بلدنا. البعض، بقيادة أميركيّة غربية، يريد لبنان كسوريا والعراق، دولة مشغولة بهمومها ومشتّتة طائفياً، لا يمكنها محاربة إسرائيل ولا تشكيل أي خطر عليها، ويطمح لوضع يده على ثروات هذا الوطن. البعض الآخر بقيادة إيرانية، يريد لبنان كلّه أو قسما منه، غنيمة له بعد الخدمات التي قدّمها في العراق وسوريا، يلحقه بمشروعه التوسّعي في الدول العربية، تحت شعار ديني هو ولاية الفقيه، وشعار إيديولوجي عنوانه المقاومة لإسرائيل، ودائما على قاعدة توازن الرعب، أي نختلف على تقسيم الجبنة التي هي الدول العربيّة، ولا نقترب من بعضنا البعض، تماما كلعبة توازن الرعب بين الإتّحاد السوفياتي والولايات المتّحدة خلال الحرب الباردة التي كان لبنان أيضا ساحتها منذ عام 1969 وحتّى عام 1990.
عندما انتهت الحرب الباردة وتم توقيع إتّفاق الطائف، إعتقدت الولايات المتّحدة أنّ سوريا يمكن أن تلتحق بالمتغيّرات التي حصلت بعد سقوط الإتّحاد السوفياتي، خاصة وأنّها لمست تبدّلا في مواقفها وخطاباتها في الأمم المتّحدة وعلى طاولات المفاوضات الداخلية، فسلّمتها لبنان على أمل استكمال اتّفاق الطائف. سرعان ما تبيّن للولايات المتّحدة أنّها كانت مخطئة. وهي أقرّت بذلك على لسان دايفيد ساترفيلد بعد لقائه الرئيس عون في آذار 2019، عندما أكّد أنّ الولايات المتّحدة لن تخطئ مجدّدا بتسليم لبنان لدولة أخرى، وكان يعني إيران.
الغرب والولايات المتّحدة يدركان أنّ لبنان الجنّة المفقودة في هذا الشرق. هذا ما كتبه جيفري فيلتمان بتاريخ 8 آب 2020، أي بعد أربعة أيام من تفجير المرفأ. أميركا لم ولن تنسحب من لبنان كما قال دايفيد هيل في كلمته الأخيرة في واشنطن قبل أيام. التّعاون مع الجيش اللبناني يبقى هو العنوان الأبرز للتّعاون الأميركي مع لبنان، ويعكس إرادة أميركيّة بمنع أي تدهور أمني في البلاد. لبنان لن يدخل في حروب داخليّة جديدة، ولن يكون جائزة ترضية لإيران. إيران خارج هذه المنطقة. لبنان سيكون بلدا حياديّا تحكمه حكومة تعيده إلى علاقاته التاريخيّة الثقافيّة والإقتصاديّة مع الغرب.
أيّها اللّبنانيّون،
توقّفوا عن البكاء على الأطلال. أوقفوا البيانات المدمّرة للمعنويّات. أوقفوا اليأس. آمنوا بوطنكم. لديكم وطن هو هبة من الله للبشريّة. تعلّموا تاريخه الحضاري والإنساني. علّموه لأولادكم. عمّموا عن إنجازاتكم في العالم. لدينا عشرات الأنباء الجميلة يوميّا التي تعكس قوّة إرادة الحياة لدينا. لقد قمت بهذا العمل في الأرجنتين والمكسيك، فلاحظت مدى الإعجاب بلبنان، ولطالما وقفوا مصفّقين. العالم آمن بنا، وبعضهم يتقاتل لوضع اليد على وطننا، فكيف تسلّمون يأسا. نعم عدوّكم يريد إفقاركم، ويريد أن تسلّموا له يأسا، فلبنان لا يعنيه. لا تقبلوا بذلك. لا تأملوا بهذا العدوّ أبدا. عليكم الإسراع في إيقاظه، وإيقاظ جمهوره إلى حقيقة أحجامنا وضروة نزع أوهامه، ولكن ليس أبداً من خلال تسليم وطننا لآخرين، بل لتحريره واستعادته لنا جميعا. إستخدموا آليّات الأمم المتّحدة لهذا الغرض. ستجدون كلّ العون.المطلوب منكم أن تقرّروا خطواتكم، فافعلوا. قدّمت لكم خبرتي الطويلة، وأوضحت حقوقكم كما واجباتكم، ووضعتها بين أيديكم. لم أناد يوماً بخيار غير خيار أنفسنا وحرّيتنا وحيادنا واستقلالنا. وضعت أمامكم عصارة ما يقدّمه المجتمع الدّولي لكم. أنا كنت أمثّلكم طوال تلك السنوات التي كان المجتمع يبني خلالها نظامه الدّولي الجديد. أنتم لم تعرفوني حينها، لكنّني كنت صوتكم في وقت لم يكن لكم فيه صوت. ما قدمته لكم هو خلاصة للإرادة العميقة المدفونة في أعماقكم، فايقظوها. إستعيدوا صوتكم الصّامت من ثقافة الخوف والإرتهان للسياسيّين، والتّعمشق على الأحداث. أدركوه قبل أن ينجح عدوّكم ويأخذكم إلى حيث يريد.
قلت لكم دائما إنّ البطريرك بموقعه في هذا الشّرق، هو الصّوت المنشود ليرفع صرختكم إلى العالم، فساعدوه. هو عرض امامكم كلّ ما تحلمون به من أجل غد مشرق، في وطن حرّ، حيادي، ومستقلّ، يحترم التزاماته مع أشقّائه العرب، ومع قضايا حقوق الإنسان، ويدافع عن قدسيّة أرضنا. قال لكم مراراً أنه يريد وطناً ديموقراطيّا تحكمه المساواة بين أبنائه وفقا للمعطيات الحضاريّة، وتحمي في آن هذا التنوّع الثّمين المميّز في الفسيفساء اللبنانية. لا لحكم الطّوائف بل لحكم العقلاء والأكفّاء من دون اي تمييز. لبنان ليس مسيحيّا ولا إسلاميّا ولا يهوديّا. لبنان عنوان العيش المشترك في دولة حضاريّة. غبطته هو الأمل، فادعموه. أرسلوا البرقيّات والرّسائل إلى قداسة البابا. إحملوا العرائض الموقّعة، دعما له، إلى السفير الباباوي. إنّها فرصتكم فلا تتردّدوا ولا تتأخّروا.
كلّ من يطلق أو ينقل أو يروّج أخباراً حزينة ومفزعة باعثة لليأس، ومن يهاجم غبطة البطريرك بشخصه، هو عدوّ نفسه وعدوّ لبنان، يعمل طوعاً في خدمة عدوّكم، أو أنّه يخدمه عفواً ومجّاناً. سيأتي وقت المحاسبة. أليس هذا ما تريدونه. تفضّلوا إعتمدوا العقل وفعّلوا إرادتكم وعزائمكم، وكفى تشاؤما.