من يراقب المشهد اليومي للبنانيين، ينتابه شعور بالقلق والقرف والبؤس واليأس، ولا يمكن أن يصدق ما يقوله المسؤولون ومن هم في موقع السلطة والقرار، فالجميع يكذب ويرواغ… إلا من رحم ربي.
فلبنان ينهار والإرتطام الكبير بات وشيكاً، وهم ما زالوا يتقاتلون ويتناتشون على الحصص الوزارية.
فبعد فقدان المواد الغذائية الأساسية والدواء والبنج وكواشف المختبرات ومستلزمات صور السكانر والرنين المغناطيسي وفلاترغسيل الكلى، جاء دور حليب الأطفال الذي يبدو أنه أصبح ورقة للتفاوض وتحسين شروط الطموحات السياسية والحسابات الفئوية، كما قال النائب بلال عبدالله. ولم تقف الأمورهنا بل وصلت إلى لقمة العيش حيث بدأت تلوح في الأفق أزمة فقدان مادة الطحين في أفران منطقة الجنوب، وسجل تهافت المواطنين وأصحاب الأفران على شراء مادة الطحين من المستودعات المعتمدة في منطقة النبطية. كل هذا لم يحرك ساكناً لدى المعنيين وكأن ما يجري ليس في لبنان بل في بلد آخر أو ربما خارج الكوكب، فالكل يكذب ويراوغ والمواطن الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية يدفع الثمن وحيداً.
فوزير الصحة يتحدث عن وجود الأدوية في المستودعات ويطلب من مصرف لبنان تدقيق الفواتير وغير ذلك من الإجراءات الروتينية بين الوزارة والمصرف والمستوردين، ونقيب أصحاب المستشفيات والمستوردون والطواقم الطبية يطلقون صرخاتهم عبر وسائل الإعلام، فمن نصدق؟؟
ومصرف لبنان ووزير الطاقة والمياه يصدران بياناً يعتبر بمثابة إخبار قضائي ضد كارتيل شركات المحروقات التي تخزن المادة، فالوزير يؤكد وجود 66 مليون ليتر بنزين في خزانات الشركات المستوردة و 109 ملايين ليتر مازوت، بالإضافة الى الكميات المتوافرة لدى محطات التوزيع وغيرالمحددة مما يكفي السوق اللبناني لمدة تراوح بين 10 أيام وأسبوعين، بينما الشركات تقول إنها لا تستلم والبواخر تنتظر في عرض البحر فتح الإعتمادات، فمن يقول الحقيقة؟؟
الكل يكذب ويرواغ ويناور بانتظار لحظة الإرتطام، وإلا أين وزيرالإقتصاد الذي لا يعرف من النعمة سوى زيادة سعر ربطة الخبز عند كل مفترق؟ ولماذا لا تتحرك الأجهزة القضائية والأمنية لوقف جموح هذا الكذب والجشع لدى كل محتكر يُخزّن المواد الغذائية أو الأدوية أو حليب الأطفال أو المحروقات أو… ؟؟
عفواً، فهم منشغلون بالدعاوى والشكاوى بين وزير الداخلية والقضاء؟؟.
بالله عليكم ألا تخجلون من أنفسكم يا من تتنطحون لموقع المسؤولية، بعد كل هذه الويلات وكل هذه المذلة التي يتعرض لها شعبكم؟ ألا تخجلون بعد كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يحضر لمؤتمر دعم للجيش اللبناني، عندما تحدث عن أنه “يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن إستمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة حادة”.
إنكم جميعاً تكذبون وتراوغون وتناورون… إلا من رحم ربي…
فكيف يمكن لمسؤول عن شعب أن يتركه إلى مصيره وهو يدرك أن هذا المصير هو “جهنم”… بئس الحصص والمقاعد والوزارات أمام كرامة الإنسان.