IMLebanon

كفى ظلماً للبنان وشعبه

 

 

 

طالعنا تقرير صندوق النّقد الدّولي مؤخراً يصف لبنان بأنّه دولة فاشلة. ليست هذه هي المرّة الأولى التي تصف فيها هيئات دوليّة لبنان بهذه الصّفة.

 

إلى المسؤولين عن الصّندوق نقول: لا، لبنان ليس دولة فاشلة. لبنان دولة قادرة ومتمكّنة، ولكنها دولة مأسورة تخضع لسياسات خارجيّة، لم تنشأ اليوم، بل نشأت منذ عام 1969. هذه السّياسات أنجبت سياسيّين وإعلاميّين يتلقّون تعليماتهم من الخارج، ولا يملكون القرار الحرّ فيه.

 

وأوجدت شعباً أسيراً بكلّ جوانب حياته المعيشيّة والمهنيّة، لهؤلاء السياسيّين والإعلاميين. وعندما انقسم الخارج في ما بينه بالنّسبة لما يريده من إستخدام لبنان وشعبه بعد كلّ تلك السنوات، إنقسم السياسّيون أيضاً.

 

السياسيّون في لبنان ينعمون بحماية الخارج، فإذا رفع هذا الخارج عنهم غطاءه، لوجد لبنان طريقه سريعاً إلى السّلام والإزدهار.

 

من المفترض أنّ المسؤولين في الصّندوق يقرأون الواقع في لبنان. لذلك فأنا أتساءل لماذا هذا الإعلان اليوم؟ هل أنّ هناك خطّة مخفيّة لتقسيم لبنان بين دول الجوار، أو التحضير لمؤتمر دولي يعيد تأسيسه، أم هو تحضير لموقف دولي يضع لبنان تحت وصاية دوليّة من جديد؟

 

قرأت مقالة للصّديق د. عدي ضاهر يعكس فيها مخاوف وتساؤلات بشأن مستقبل لبنان، واحتمال إلغاء دولة لبنان الكبير، وإعادته لما كان عليه قبل اتّفاق سايكس بيكو. وكنت أنا نفسي قد كتبت مقالات أشرح فيها عن مخاوفي من مشروع تقسيميّ للبنان في اتّفاق حارة حريك، الذي تمّ بين جنرال بعبدا وصهره وحزب حسن نصرالله. كما قرأت تعليقات كثيرة للدكتور توفيق الهندي وغيره ممن يطالبون بوصاية الأمم المتّحدة ؛ لأنّ لبنان دولة فاشلة.

 

ما قاله غبطة البطريرك الرّاعي قبل أيّام، يعتبر ردّاً كافياً ولا ضرورة لإضافة أيّ شيء إليه.

 

غبطته سأل: “هل وراء الأسباب الواهية لعدم تأليف الحكومة نيّة عدم إجراء إنتخابات نيابيّة في أيّار المقبل، ثمّ رئاسيّة في تشرين الأوّل، وربّما نيّة لإسقاط لبنان بعد مئة سنة من تكوينه دولةً مستقلّةً، ظنّاً منهم أنّهم أحرار في إعادة تأسيسه من جديد، متناسين أنّه أعرق وطن، وأبهى أمّة، وأجمل دولة عرفها الشّرق الأوسط والعالم العربيّ؟”، وقال غبطته: “لن نؤخذ بالواقع المضطرب والقوّة العابرة. فنحن شعب لا يموت ولو أُصبنا في الصميم.

 

لن نسمحَ لهذا المخطّطِ أن يكتمل. لن نسمحَ بسقوطِ أمّتنِا العظيمة. لن نَسمحَ بتغييرِ نظامِ لبنان الدّيموقراطي.

 

لن نسمحَ بتزويرِ هويّةِ لبنان. لن نَسمحَ بتشويهِ حياةِ اللبنانيّين الحضاريّة. لن نسمحَ بالقضاءِ على الحضارة اللبنانيّة.

 

لن نسمحَ باستمرارِ توريطِ لبنان في صراعاتِ المِنطقة. فعندما لم يتمّ احترام شِعارَ لا شرقَ ولا غرب، ولا شعار التّحييد، ولا حتّى شعار النّأيِ بالنّفس، طرَحْنا إعلان نظام الحياد النّاشِط بكلِّ أبعادِه الدّستوريّة.

 

وعندما بات الإنقاذُ الداخليُّ مستحيلاً، طالبنا بمؤتمرٍ دُوَليٍّ خاصٍّ بلبنان، برعاية منظّمة الأمم المتّحدة”.

 

وخلص قائلاً: “في حالتنا الإنسانيّة البائسة نتوجّه إلى منظّمة الأمم المتّحدة كي تتدخّل لإنتشال لبنان من الإنهيار والإفلاس. ونُناشدُ الدول الصديقة التي تساعد الجيش اللبنانيّ الذي يُشكّلُ صمّامَ الأمانِ للبنان، خصوصاً في الأزمنة العصيبة، الإلتفات نحو الشّعب اللّبناني أيضاً ليبقى صامداً إلى جانب جيشِه”.

 

ترى هل اطّلع مسؤولو الصّندوق الدّولي على هذا الكلام؟ ربما أنّهم لا يسمعون إلا إلى ما يقوله السيّد حسن نصرالله وحلفاؤه في رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان. فهؤلاء لديهم السّلاح والعتاد والأدمغة المغسولة بشعارات المقاومة ووليّ الفقيه، لكنهم نسَوا أنّ مانديلا قبع في السّجن 28 سنة، قبل أن يحمله العالم إلى حيث أراد، فصارت جنوب أفريقيا إحدى أقوى اقتصاديّات العالم.

 

ربما نسي أنّ المهاتما غاندي لم يكن يملك السّلاح، بل الكلمة فقط، فحرّر الهند من نير الإمبرياليّة البريطانيّة.

 

ربما نسي نضال مارتن لوثر كينغ وما أسّس له بخطاباته ضدّ التّفرقة العنصريّة في الولايات المتّحدة.

 

وكما صنع البطريرك الحويّك وبعض رجال الدّين الأحرار، لبنان الكبير عام 1920، فإن البطريرك الرّاعي، ورجال الدّين الأحرار كالعلّامة علي الأمين، وسيادة المطران الياس عودة، ومن سار على درب سماحة المفتي حسن خالد، ومن سار على درب المعلّم كمال جنبلاط، سيحافظون عليه، وسنكون معهم وحولهم.

 

بالطّبع يحزنني جداً أنّ قسماً من الشّعب اللبناني نسي وطنه وسار مغمض العينين في ولائه للخارج. وكما قال المطران عودة: “لا معنى أن تمتلك جنسيّة لبنانيّة ويكون ولاؤك لبلد آخر، لأنّه لا يمكن للإنسان أن يعبد ربّين”.

 

قلنا سابقاً، لبنان لا يقف حاجزاً أمام من يرغب في اللحاق ببلد آخر، لكن لا يمكن لهم أن يلحقونا بهم أيضاً، فليذهبوا إلى ذلك البلد.

 

إلى المسؤولين في الصّندوق الدّولي:

 

لبنان ليس دولة فاشلة. لبنان دولة مؤسّسة للأمم المتّحدة، وساهم بإطلاق الإعلان الدّولي لحقوق الإنسان، وشارك في بناء نظام التعدّدية في العالم، وحمل لواء الليبرالية الإقتصاديّة والمفاهيم الغربيّة للدّيموقراطيّة.

 

كان نموذجاًً للحرّيات الدينيّة والسياسيّة، ودفع حركة المجتمع الأهلي والمدني.

 

كان المدرسة والجامعة والمصرف والملاذ للمضطّهدين. ساهم في تأسيس حركة عدم الإنحياز، فكان صديقاً للغرب والشّرق معاً. كان قبلة العالم، ورابع أغنى دولة في ستّينات القرن الماضي. لم تتبدّل مبادئه وحافظ على نظامه السياسي الديموقراطي ولو شكلاً. فلماذا يصبح دولة فاشلة؟

 

أقرأوا عن لبنان بنظرة من يبحث في مبدأ بناء السلم بعد النزاع فيه، فتدركون أسباب ما عاناه ويعانيه حاليّاً. سنودعكم كتابنا عن العدالة للبنان وشعبه، ربما يساعدكم لهذا الغرض. لبنان تحوّل رغماً عنه وبالتهديد، إلى ضحيّة لصراعات الدّول في المنطقة والعالم على هذه الأرض، منذ عام 1969.

 

شعب لبنان دفع أثماناً باهظة لأنه عاش في وطن ديموقراطي، وكان نموذجاً للحريّات واحترام التعدّدية الطائفية فيه.

 

نحن تحت الإحتلال، ولبنان واللبنانيون ضحيّة ذلك الإحتلال. لا يجوز اعتبار وطن منقسم بين قوى سياديّة سلميّة، وقوى مسلّحة تأتمر من الخارج (مرتزقة)، بأنّه دولة فاشلة، بل يجب وصف المجتمع الدّولي بأنه فاشل، وأنّ مجلس الأمن المكلّف الامن والسلم الدوليّين، هو الفاشل الذي لم يعرف كيف يطبّق قراراته المتعدّدة بشأن لبنان.

 

لا يجوز أن يبقى لبنان ساحة للصراعات، ومهما تقدّمتم بحلول لمثل هذا الواقع، ستعجزون عن تسوية وضعه. المطلوب أن تقنعوا القوى الفاعلة في الصّندوق، بمساعدتنا على استعادة سيادتنا التي أُخذت منّا بالتّهديد والوعيد والنار. لديكم قرارات نفّذوها. نريد ان يعيش اللبنانيون جميعاً بسلام ووفقاً لنظام الدّستور والقانون، سواء الدّولي او الوطني. لا أحد أكبر من وطنه.

 

كانكون المكسيك بتاريخ 15 حزيران 2021