IMLebanon

لبنان في “عهد الذل”  

 

 

في النهاية ليس هناك ما يعبّر عن المواقف التي تناقض نفسها اكثر من تلك الكلمات التي انهى بها حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” خطابه الأخير عندما تحدّث عن الولايات المتحدة واصفا ايّاها بـ”الشيطان الأكبر”. حسنا، ما دامت اميركا هي “الشيطان الأكبر”، لماذا تسعى “الجمهوريّة الاسلاميّة” في ايران الى التفاوض معها وعقد صفقة تؤدي الى رفع العقوبات التي فرضتها عليها إدارة دونالد ترامب؟ هل من اجل الحصول على مزيد من الأموال والحاق الدمار بكلّ دولة من دول المنطقة العربيّة!

 

بعض المنطق ضروري بين وقت وآخر، كذلك بعض التواضع، خصوصا في ظلّ الذلّ الذي غرق فيه اللبنانيون منذ بداية “العهد القويّ” برئاسة الثنائي ميشال عون – جبران باسيل، الذي هو في الواقع “عهد حزب الله”. نعم، إنّ اللبنانيين يعيشون في “عهد الذل” ولا شيء آخر غير الذلّ بعدما اصبحوا فقراء لا طموح لديهم سوى الهجرة. لو كان لدى حسن نصرالله ما يقدّمه للبنان واللبنانيين لكان اقتنع بأن جبران باسيل الذي توجه اليه مباشرة قبل بضعة ايّام طالبا مساعدته كـ”صديق”، إنّما لا هم له سوى الوصول الى موقع رئاسة الجمهورية خلفا لعمّه والد زوجته. هذا كلّ ما في الامر. لم يعد من همّ لميشال عون سوى تسخير صلاحيات رئيس الجمهوريّة في خدمة جبران باسيل الذي يعتقد انّه لا يزال لديه مستقبل سياسي ما.

 

يقول المنطق انّه لو كان لدى جبران باسيل أي موهبة من ايّ نوع، بالمعنى الإيجابي للكلمة، لما كان تحكّم بملف الكهرباء في لبنان ما يزيد على 12 عاما وكلّف الخزينة 50  مليار دولار. ما نتيجة ذلك؟ النتيجة واضحة كلّ الوضوح يلمسها اللبناني كلّ يوم. لا وجود للكهرباء في لبنان بسبب جبران باسيل ومساعديه وازلامه ولا احد غيرهم.

 

من الضروري تذكير الأمين العام لـ”حزب الله”، في هذه الايّام التي يريد فيها الدفاع عن جبران باسيل، انّ لبنان فوّت كلّ الفرص التي اتيحت له من اجل تفادي الانهيار. ليس ملفّ الكهرباء سوى احد الملفّات العديدة التي لم يحسن لبنان التعاطي معها. لكنّ لا مفرّ من التوقف عند ملفّ الكهرباء نظرا انّ لبنان كان قادرا على الاستعانة بالصندوق الكويتي الذي قدّم كلّ المساعدة المطلوبة من اجل تأمين عودة الكهرباء الى لبنان. هناك أيضا عرض شركة “سيمنز” الألمانية الذي جاءت به المستشارة انجيلا ميركل لدى زيارتها لبنان في 2017. ذهب جبران باسيل الى السفن التركيّة وما ادراك ما السفن التركيّة وماذا وراء الذهاب الى هذا الخيار…

 

في كلّ الأحوال، كلّ كلام عن الكرامة والتضحيات و”تحرير القدس” لم يعد له أي معنى في هذه الايّام. الكلام الوحيد الذي له معنى مرتبط بالتصالح مع الواقع الذي يعيش اللبنانيون في ظلّه. إنّه واقع الذلّ ولا شيء آخر غير الذلّ. هل يأكل اللبنانيون كرامة وعنفوانا وانتصارات لم تتحقّق سوى على بلدهم؟

 

ما فعله العهد في اقلّ من خمس سنوات هو تدمير كامل للبنان ولمؤسساته. هل لهذا السبب يشيد حسن نصرالله بجبران باسيل الذي ابلى البلاء الحسن في كلّ ما له علاقة بالتدمير الممنهج للبلد وتهجير أبنائه، خصوصا المسيحيين منهم؟

 

قبل توجيه الانتقادات الى “الشيطان الأكبر”، من المفيد التساؤل ما الذي تفعله ايران في لبنان، ولماذا تمنع تشكيل حكومة، ولماذا سلّطت عليه “حزب الله” الذي ليس سوى ميليشيا مذهبيّة في خدمة اجندة “الجمهوريّة الاسلاميّة”؟

 

من المفيد لحسن نصرالله العودة الى الواقع بين حين وآخر. الواقع الذي يقول انّ أموال اللبنانيين جميعا محتجزة في المصارف وإن النظام المصرفي الذي كان مفخرة لبنان انهار. الواقع يقول أيضا انّ النظام التعليمي انهار. كم سنة يحتاج لبنان من اجل استعادة جامعاته ومستوى التعليم فيه وكي يكون مكانا يأتي اليه طلاب من مختلف انحاء العالم بدل ان يصبح طلابه مجرّد متسوّلين على أبواب الجامعات الأوروبية والاميركيّة؟

 

لم يعد لدى لبنان ما يفتحر به. لا بجامعاته ولا بمدارسه ولا بمستشفياته ولا بفنادقه ولا بمصارفه. من المسؤول عن ذلك. بالطبع المسؤولية الأولى تقع على سلاح “حزب الله” الذي هو في خدمة ايران وليس في خدمة لبنان. المسؤولية يتحمّلها بعد ذلك عهد لا همّ له سوى استرضاء “حزب الله”. مثل هذا العهد الذي لا يريد معرفة حقيقة تفجير مرفأ بيروت لا يهمّه لبنان اذا خرب… كلّ ما يهمّه شخص لا مستقبل سياسيا له، عليه عقوبات اميركيّة، لا يزال يعتقد انّ “حزب الله” يستطيع ان يجعل منه رئيسا للجمهوريّة!