Site icon IMLebanon

علاج لبنان حاضر و”القيادة الحقيقية” غائبة

 

ليس في تاريخ لبنان أزمة جرت تسويتها من دون دور خارجي. ولا أزمة خلت من أبعاد إقليمية ودولية طاغية على البعد المحلي. من أيام الإمارة الشهابية الى القائمقاميتين ثم المتصرفية. ومن “الثورة البيضاء” في أوائل عهد الإستقلال الى أحداث 1958 ثم حرب لبنان على مدى 15عاماً والتي أوقفها “إتفاق الطائف”، ثم استمرت بوسائل أخرى. والمفارقة أن ما دمرته الحرب كان أقل بكثير من الخراب السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي على أيدي المافيا السياسية والمالية والميليشيوية التي لعبت أكبر الأدوار في الحرب وتسلمت السلطة بعدها. هذه المرة يبدو التعطيل المنهجي لتأليف الحكومة مشكلة محلية كاملة الأوصاف، والحل الواقعي لها تقدمه القوى الخارجية.

 

ذلك أن الهم اللبناني طاف في معظم العواصم العربية والأجنبية من دون أن تلتفت إليه المافيا المتسلطة في بيروت. وهي لم تتحرك حتى بعد الإنفجار الرهيب في المرفأ وتدمير أجزاء من العاصمة ومسارعة الرئيس إيمانويل ماكرون الى زيارة بيروت وتقديم المعالجة الإنسانية والمساعدة السياسية ومواساة أهالي الضحايا. ومؤخراً كان الخوف من “زوال لبنان” على الطاولة في باريس أمام وزيري الخارجية الأميركي والفرنسي أنتوني بلينكن وجان إيف لودريان. وهو غداً في الفاتيكان حيث يلتقي البابا فرنسيس بطاركة الشرق. فلا في واشنطن وباريس نقص في العلاج وإرادة المساعدة للمريض اللبناني. ولا الصلاة هي كل ما يقدمه الفاتيكان الذي يهمه لبنان لذاته والخائف من تغيير “هوية البلد- الرسالة”.

 

لكن المشكلة أن العلاج الموصوف دولياً والمطلوب من الناس محلياً، تعاند المافيا في إستخدامه. لماذا؟ لأنه يضرب مصالح بعضها وإمتيازاته، ويؤثر على أحلام الدور والمستقبل لدى البعض الآخر، وينهي عملية السطو على المال العام والخاص. ولم يكن أمراً عادياً، حيث الغموض لعبة الديبلوماسية، أن يعمد سادة الديبلوماسية الى إستعمال الوضوح كما فعل لودريان وبلينكن. الوزير الفرنسي قال: “تحققنا من إمكان زوال لبنان الذي يشكل وضعاً دراماتيكياً، ونحن نعرف المسؤولين عن التعطيل، ونصرّ على ممارسة الضغط عليهم”. والوزير الأميركي لم يكتم القول: “نحن على إستعداد لمساعدة لبنان على التغيير، لكننا نحتاج الى قيادة حقيقية في بيروت”. وتلك هي المسألة. فاللبنانيون، حسب بلينكن، “يعانون من فساد السياسيين”. وما يقود إليه الضغط على سياسيين فاسدين هو إما الإستمرار في الإمتناع عن تأليف حكومة وإما تأليف حكومة فاسدين أو يديرها فاسدون.

 

ولا شيء يوحي أن الظروف ناضجة لولادة “قيادة حقيقية”. وكل شيء يؤكد أن تعطيل التأليف يقوم به ثلاثة: طرف رافض للدخول الإجباري من باب صندوق النقد الدولي وأميركا والعرب والغرب. طرف خائف على مستقبله من قرارات صعبة غير شعبية. وطرف تغريه سياسة الخصومات وتصفية الحسابات الشخصية ويريد الإمساك بورقة التحكم في الحكومة، كما بورقة تعطيل القرارات عند اللزوم.

 

يقول مثل صيني: “ما لا تستطيع تجنّبه، رحّب به”. لكن ما تمارسه المافيا المتسلطة هو: تجنّب ما يجب الترحيب به، وإفعل عكس ما عليك القيام به وما تقوله في الخطاب.