IMLebanon

أحداث معبّرة عن أوضاع المستقبل وتطوراته

 

خلال الأسبوع الفائت، برزت جملة من المستجدات والتحولات الرافضة والمحتجّة بوسائل وتصرفات حادة وعنيفة، تناولت مواقع محددة، أدّت إلى تحريكٍ ملحوظ على مجمل ساحات الأحداث، تناولت قواعدها وقناعاتها وتصرّفات مسؤوليها، الأمر الذي أدخلها وأدخل البلاد معها في حقول من الألغام والمطبّات الفتنوية التي ما كان لها أن تبرز بهذا الشكل وهذه الصور التي أُطلقت في أكثر من موقع لبناني متفجّر، بدءا من واقعات الجنوب وحساسياتها الحدودية، وبالتحديد في منطقة شويا وبعض القرى المجاورة لها، ومرورا بجملة من المناسبات التي أطلقت خلالها جملة من التصريحات حادّة الوقع والصدى، ومن أبرزها ما بتنا نسمعه في مناسبات دينية أسبوعية يطلقها كلٌّ من غبطة البطريرك الراعي والمطران عودة، ولكن المستجد في هذا الإطار الكلمة – الرسالة التي وجهها سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان لمناسبة ذكرى السنة الهجرية الجديدة، وتميزت بإشاراتها البارزة التي انطلقت من هذه الذكرى، منها تلك التي حدّدت وضعية الحصار الذي طاول المسلمين الأوائل في مرحلة انطلاقة الدين الحنيف، ذلك الحصار الذي طاولهم وأدّى لهجرتهم إلى المدينة المنورة ومناطق عدة أمّنت للمهاجرين الأمن والسلامة، ليعودوا بعد تلك الفترة العصيبة ويتمكنوا بأصالة إيمانهم من حمل الرّاية وقلب الأوضاع رأسا على عقب، وتثبيت ركائز الدين الحنيف ونشره في بقاع الأرض على نحو ما هو معروف. كلمة سماحة المفتي، انطلقت من واقعة الهجرة تلك، إلى ما واكبها من حصار للمسلمين الأوائل تلك الأيام في «شعب» واحد، وتسترسل الكلمة لتشير إلى أننا محاصرون في أيامنا الحالية في «شعاب» عدّة نعاني فيها من حصار الدواء والغذاء والوباء، وشعاب أخرى لا تكاد تحصى، وأهمها أنه ممنوع علينا أن تكون عندنا حكومة تدير شؤوننا وتخرجنا من أهوالٍ نعيشها باتت تدفع بنا إلى هجرة مقيتة إلى بلاد الله الواسعة، حيث فارقنا عشرات الألوف من الأكفاء فزادونا بؤسا وفقرا. لقد بحث المهاجرون الأولون من المسلمين عن معنى جديد لحياتهم فصنعوه في المدينة المنورة ورسّخوه وطوّروه في مكة المكرمة، أما نحن الآن في لبنان: فاننا نعاني من حصار يدفعنا إلى الهجرة وإلى ألاّ نعود.

 

…وتأتي كلمة المطران عودة، لتنطلق من مناسبة إزكاء ذكرى الرابع من آب المأساوية لتطلق تساؤلا مدويا: هل أُفهم مسؤولو بلدنا أن من لم يقضوا عليهم بواسطة التفجير، سيقضون عليهم بواسطة التهجير والغاية من ذلك إفراغ البلد من شبابه ومثقفيه وخيرة ثروته البشرية.

 

…ويصل غبطة البطريرك الراعي في عظته الأخيرة إلى التساؤل: لماذا لا يجري تأليف حكومة؟ أهو الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية؟ هذا عيب في الظروف العادية ومخزٍ في الظروف المأساوية التي يعيشها اللبنانيون وهم يتصارعون على الوزارات ولكنكم تتصارعون على ما لا تملكون، لأنها ملك الشعب. ومن المؤسف حقا أن نجد تطاولا متدني المستوى على غبطة البطريرك خاصة على بعض وسائل التواصل الإجتماعي، وهو مستهجن بالشكل والمضمون.

 

لم تنحصر مستجدات الأسبوع الفائت على الكلمات الحكيمة التي أطلقها الرؤساء الروحيون الذين أشرنا إلى بعض ما أدلوا به للراي العام الغارق في الصلب الجهنمي، بل كانت هناك وقائع إعتراضية وصلت إلى حدود التصدّي للأعمال العُنْفيّة التي دارت في الجنوب وفي منطقة شويا وبيئتها التي لم يسبق أن عرف عنها أمثال هذا التصدي لبعض التصرّفات التي تناولتها وسائل الإعلام ونشرت تفاصيلها بالصوت والصورة، الأمر الذي جوبه من قبل ذوي الشأن بسيول من الغضب والإستنكار، وبعضٍ من التبرير الذي أخرج غالبية أهالي المنطقة من نتائج التصدي الحاصل، وألحقها بمن اعتبرهم خارجين عن النهج القويم. دون أن نغفل أهمية وخطورة هذه المستجدات التي باتت تستدعي اليقظة والحساب والتحسب.

 

وبعد: يبقى ذلك الصمت الرسمي الذي لاحق أحداث الرابع من آب ومناسبة مرور سنة كاملة على هذا الحدث الجلل، دون التوصل حتى الآن إلى نتيجة واضحة ومحددة ومرضية للبنانيين عموما ولذوي الضحايا والجرحى والمنكوبين بأرزاقهم وأماكن سكنهم وبالحياة الكريمة التي فقدوها من خلال مأساة إجرامية طاولتهم وهدّمت حياتهم وحاضرهم وطاولت مستقبلهم بأفدح الأضرار والنتائح المادية والنفسية، وجموع المحتشدين من ذوي الضحايا والمتضررين المباشرين ومؤازريهم من أخوانهم في الوطن وفي المأساة، احتشدوا في أماكن المصيبة الجامعة وأطلقوا تصميمهم على التوصل إلى معرفة واضحة وفاضحة للمصيبة النكراء التي طاولتهم في أكبر مأساة غير نووية عرفها العالم المتمدّن، وأطلقوا بجموعهم الثائرة، قرارهم الثابت والأكيد بمتابعة قضيتهم إلى نهاياتها وحتى وصولهم إلى الحقيقة اولا وإلى استعادة ما أمكنهم من حقوقهم والتعويضات المادية والمعنوية التي لا بد لهم من الحصول عليها كائنا ما كانت الأثمان، وتقفز هذه الواقعة إلى الوجود الثائر الفاعل والمهدد بالتطور الحاد، وكل الدلائل تذهب إلى إشارات واضحة وفاضحة لكل المعطيات التي يطلقها البعض لإخفاء أسباب الجريمة النكراء وما تتضمنّه من خفايا وخبايا وأسباب تحرص بعض الجهات ذات العلاقة الأكيدة على إخفائها ما أمكنها إلى ذلك سبيلا.

 

دون أن ننسى كل تلك الأحداث الإنتخابية التي عرفتها نقابات المهندسين والمحامين واللجان الطلابية، وكلُّ تلك المظاهرات والاحتجاجات الجماعية في أكثر من مدينة ومن قرية، الأمر الذي ينم عن تحولات مهمة في الأجواء اللبنانية بدأت كل الفئات المناوئة لها بأخذها بعين المراقبة والإعتبار، فهي دون شك إشارات واضحة إلى مستقبل الأيام التي لا يمكن ان تستمر على أوضاعها المناهضة للشعب المنكوب وتطلعاته، والمنكرة لمعاناته، والمعارضة لكل دواعي التطور التاريخي التي لا بد للشعوب جميعا من أن تخضع لها ولقواعدها ونتائحها، وليحكم التاريخ بكل نتائجه وصوره. إنه قضاء وقدر لا بد من تحققه، وأحداث الأسبوع الفائت بدأت تؤشر إلى أوضاع المستقبل وتحولاته وتطوراته.