IMLebanon

السلطة تنعم بالفوضى والشعب يتقاتل

 

 

أدركت المنظومة الحاكمة حتمية دخول لبنان تحت ادارتها الشرّيرة الى محور جهنّم، عندما قرّرت رفض تبنّي شروط البرامج الاصلاحية، معلنةً بدل ذلك معاداتها لاصدقاء لبنان وفارضةً عزلةً دولية عليه. ولذلك إستبسلت لاجل حجز بعض المواقع لاخصامها المُفترضين الداخليين في عملية المحاصصة الكريهة التي تقترفها، متأمّلة من مشاركتهم الصورية معها في السلطة التنفيذية استمرار الدول المانحة بإرسال المُساعدات الى الشعب اللبناني، وواضعةً نصب اعينها مصّ هذه الاموال لتمويل فساد سلطاتها وحماية دويلتها.

 

وعند تأكّدها من نفاد هذا العامل وإنعدام فاعليته نتيجة صدِّ محاولاتها من قبل المجتمع الدولي والصناديق المانحة، ذهبت الى إثارة النعرات المُفجِّرة للفوضى الاهلية لالهاء الشعب بكامل فئاته، بالتقاتل والتشابك مع بعضه البعض ليُشكّل بذلك خط دفاع عنها.

 

إنعدمت فرص هروب المنظومة من العدالة الشعبية، ممّا استدعى جلب افرقائها وشخصياتها رمزياً امام المحاكم الاهلية التي ستؤرّخ للمستقبل البعيد صناعتهم للمآسي. وبفقدانهم لكل آمال إنقاذ أنفسهم او حتى التخفيف من الحكم الصادر بحقهم، برفضهم للاستقالة والمغادرة والاعتراف بالفشل الذريع، وبتلذّذهم بسحب الشعب الى جهنّم، فرضت المنظومة حلبة صراع جديدة في المواجهة مع الشعب، حيث لا نهاية فيها إلا بالضربة القاضية، فإمّا الفوضى العارمة والطويلة، وإمّا التخلّص منها سريعاً لاعادة بناء الوطن.

 

إنّ تنعُّم المنظومة الحاكمة بالفوضى الشعبية لربح الوقت الضروري لها لاستلحاق نتائج المفاوضات الاقليمية الجارية، والذي يسمح لها لفرض تثبيت لبنان في محورها “للتخلّف وممانعة الازدهار”، ليس إلا وهماً وسراباً، فلا مرشد المحور سيرتاح، ولا مرجعية المحور ستنال النفوذ، ولا المفاوضات ستنتهي، بل ستستمر حتى الاستهلاك الكلّي لمقومات المحور. وإبّان كل ذلك، فإن استسلام الشعب لواقع النضال اليومي في المعاناة لحصوله على اساسيات الحياة، في الوقت الذي تنعم السلطة بالفوضى الضامنة لاستمراريتها، سيؤدّي حتماً لموته على درب تأمين الحياة، أمّا اعتبار الشعب انه لم يعد للصلح مكان مع هذه المنظومة ورفضه لانصاف الحلول معها، فهو المسار للعودة الى الحياة السليمة، فكما تختتم الكنيسة سنتها برقاد والدة الاله في 15 آب وتفتتحها بولادةٍ ليتورجية جديدة في الاول من شهر ايلول، فالخلاص لن يأتي الا من الشعب صاحب الشأن والقدرة على العودة الى الحياة، وما الاتكال على الاصدقاء والجهات الخارجية، والانتظار في طوابير الذلّ ومصادرة الصهاريج والاقتتال على السلع، والصراخ والاحتجاجات والاتهامات الشاملة “كلّن يعني كلّن” إلا إلهاء ومضيعةً للوقت، خدمةً للسلطة المسؤولة اساساً عن الانهيارات. الخلاص يأتي ويتحقّق بالتوحّد بين انصار وطن الحرّيات والانفتاح، فلتُشبك الايادي الكثيرة لدفع الفوضى الى مراكز وبيوت وقصور افرقاء المنظومة، وليُجلبوا فعلاً الى العدالة الحقيقية، وليتحوّل النضال الشعبي نضالاً هادفاً للحفاظ على الانسان اللبناني الحرّ، ولتوضع التباينات العقائدية والمدنية جانباً، رحمةً بالانسان، لان موت الروح الحرّة اليوم، وموت العزّة والحسّ بالكرامة، سيقضي على جميع المشاريع الاصلاحية والتحرّرية، فما نفع النشاط المدني والنشطاء، وما الفائدة من التحرّك والتحرّكات إن لم تتوحّد جميعها لاسقاط الحاكم والدويلة؟ فإن لم يسقطوا فستتشارك المجموعات المعارضة للمنظومة معها مسؤولية إطالة مدّة المأساة.

 

واعود لاردّد دائماً هذه المعادلة التي اوردتها في مقالاتٍ سابقة ؛ “كم من شعوب” سكتت فخضعت فأُذلّت “وشعوب رفضت فانتفضت فتحرّرت”، فالشعوب التي رفضت تُدير العالم الحرّ اليوم، والشعوب التي سكتت ما زالت تُعاني. الخيار دائماً للشعب، فإمّا ينتفض من اجل الاجيال القادمة، وإمّا ستلعنه هذه الاجيال عندما ستنتفض لكرامتها.