ينطبق على حالنا بدقّة المثل القائل إنّ “بين السّابق والمسبوق دقة خازوق”، ولبنان جالس عليه منذ زمن بعيد وعلى ما يبدو سيبقى جالساً عليه حتى يلفظ أنفاسه، إذ ليس بإمكان لبنان أن يتحمّل وبعد هذه المقاومة اللبنانيّة عبء الارتماء نهائياً في الحضن الإيراني فتغرقه المحروقات الإيرانية والأدوية الإيرانيّة، في وقتٍ لا تزال إيران تحاول جرّ النّصف اللبناني الصّامد والرّافض لأجندتها ومخططها للبنان، وهذا النصف ما زال يقاومها أعزلاً وباللحم الحيّ ويقف في وجه الرغبة الإيرانية العارمة في فرض نظامها على لبنان!
بين “الزّار الزّير والبير وحكومة التعتير” يُحدّثني قلبي أنّ هذه قد تكون آخر الحكومات، وأنّ هذا العهد سيكون آخر عهد لرئاسة الجمهورية، وآخر رئيس للجمهوريّة أيضاً في الشكل الذي استقرّ عليه لبنان منذ اتفاق الطائف، في وقت يعيش فيه اللبنانيّون أسوأ أيام وطنهم، على الأقل منذ خمسين عاماً، وقد تمرّنوا على تجرّع كلّ أنواع الحسرات، وفي وقت نحن فيه أيضاً على حافة الدّخول في مجهول قد يحتاج وقتاً وخراباً ودماءً كثيرة لنفهم ماذا يحدث، فيما يؤكد لنا الواقع اللبناني الميؤوس منه أنّ حال البلد صار كـ”مرضٍ مستعصٍ” أمام مسؤولين يصرّون على إغراق الشعب اللبناني في مستنقع اليأس والإحباط، وأنّهم يمارسون أكبر عملية خداعٍ واحتيال في تاريخ لبنان وشعبه بادّعاء أنّهم فعلاً مسؤولون!!
عندما نشرت في شهر آب العام الماضي مجلة “the economist” الاقتصادية العالمية مقالاً تتحدّث فيه عن وضع لبنان الاقتصادي السيئ واحتمال تعرّضه للانهيار مرفقاً بصورة للعلم اللبناني مفككاً والأرزة تسقط منه، يومها قامت القيامة على المجلة ومقالها، اليوم لبنان غارق حتى أذنية في التدحرج نحو قعر الانهيار، “لاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ” [يعقوب ٣:١٤]، قامت عليها قيامة جماعة العهد وتسابقوا لتقديم بلاغات في حقّها أمام قضاء محسوب عليهم، بعد عام واحد نحن أمام علمٍ مفكّك وأرزة يتخاطفها السّارقون ونعيش انهياراً على جميع المستويات…
اعتاد اللبنانيّون أن الحال في لبنان لا يتغيّر إلا من سيئ إلى أسوأ، إلا أنّهم وفي أسوأ الظروف والاحتلالات لم يسقطوا في قبضة محتلٍّ كإيران، وكلّ تبريرات أمين عام حزب الله بأنّ حزبه لا يريد أخذ مكان الدّولة ولا الشركات المستوردة للمحروقات، هذا التأكيد المتكرّر يدفعنا إلى قراءة حقيقة ما يفعله حزب الله لمصلحة إيران، إذ سيتحوّل لبنان إلى مموّل لإيران العملة الصعبة وإن قالوا بأنها تبيعنا بالليرة اللبنانيّة فسيتم تصريف هذه الليرات إلى دولارات تطير بـ”الشوالات” عبر مطار بيروت أو عبر الحدود السوريّة، هذا في الدائرة الضيّقة جدّاً، ولكن أتحفنا نصرالله يوم الأحد الماضي بالالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران قائلاً إنّ أميركا فقط هي التي تفرض العقوبات، متجاهلاً أنّنا لا نزال نتذكر جيداً كيف انسحبت الشركات الأوروبيّة التي كانت تعمل في إيران واحدة تلو الأخرى خوفاً من المنع الذي سيفرض عليها أميركيّاً بسبب تعاملها مع إيران!!
في 7 نيسان الماضي اختصر جان إيڤ لودريان الواقع الذي لا نزال نعيشه بقوله “الأيّام المقبلة ستكون مصيريّة. القوى السياسيّة اللبنانيّة عمياء ولا تتحرّك لإنقاذ البلاد على الرّغم من تعهداتها، وهي تتعنّت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة”، وللمناسبة القوى السياسيّة اللبنانيّة لا تزال كما وصفها لودريان وستبقى!